المنطقة مقبلة على ترتيب توازنات جديدة تؤسِّس لإعادة إطلاق التفاوض النووي
تشكّل الأيام والأسابيع القليلة الآتية على المنطقة منطلقا لسلسلة من الأحداث التراكمية الحاكِمة والمفصلية، بالنظر الى ما ستنتجه حتما الدينامية الدولية – الإقليمية من ترتيبات جديدة، بدءا وليس انتهاء بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة منتصف تموز المقبل، وجدّة إحدى محطاتها الرئيسية.
ولا يخفى التحسس الإيراني البالغ لمجمل تلك الدينامية، في كل مناطق النفوذ والتأثير. ويشكل العراق راهنا أحد التجليات الحاسمة، مع الإستياء الايراني الشديد والظاهر من مقتدى الصدر حدّ توجيه رسالة تهديد مباشرة له باستعداد طهران احراق البلد عليه وعلى العراقيين.
ردّ الصدر باستقالة نوابه منطلَقاً لمواجهة يُحضِّر لها، بالتآلف مع المكونين السنّي والكردي.
زادت طهران في تصعيدها، فدفعتْ في اتجاه تشكيل حكومة اللون الواحد في العراق، حتى لو اقتضى الأمر القفز فوق المكونين السنّي والكردي، وصولا الى تحييدهما سياسيا في حال اقتضت الضرورة.
تُعدّ مقاربة طهران مؤشرا بالغ الدلالة الى حساسيتها المفرطة تجاه ما يحصل في الإقليم انطلاقا من مجموعة تطورات أثارت قلها:
أ- ترنّح مسار التفاوض النووي، وهو راهنا في مرحلة ما قبل الغيبوبة الإصطناعية. وثمة في واشنطن من يطالب حتى بتغيير الوفد الأميركي المفاوض تكريسا لمزيد من التشدد.
ب – بلورة متدرجة للحلف السني العربي – التركي – الإسرائيلي. وهو ما يعوّل على أن يشكل استنساخا للحلف الاطلسي على مستوى الإقليم. ولا تخفي دول عربية تلك الرغبة الجامحة في تكريس قوة ردع عربية – إسلامية – اسرائيلية تُغنيها تدريجا عن الحماية الأميركية لمصالحها السياسية والوجودية ولمنابع النفط.
جـ – المظلة الجوية العربية – الاسرائيلية ضد التهديد الإيراني. ولا يُخفى أن نقطة الارتكاز الاساسية لتلك المظلة هي الدرون الإسرائيلية، تكنولوجيا وسلاحا. كما لا تُخفى الرغبة في تطوير تدريجي للمظلة الجوية وصولا الى جعلها نووية قي مواجهة التطور المطّرد في الصناعة النووية الإيرانية.
د – احتمال عودة بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة الاسرائيلية التي ستنبثق عن الانتخابات التشريعية المبكرة بعد تعثّر الإئتلاف الحكومي. وهذا الاحتمال يشكل عامل قلق للإدارة الأميركية التي عملت بجد واجتهاد لاخراجه من السلطة. ويُخشى في هذا السياق أن ينال لبنان من التغييرات الاسرائيلية نصيبا سلبيا في ملف ترسيم الحدود البحرية واستخراج الغاز. لذا لا بد من اعادة استكشاف مصير الجواب الاسرائيلي المنتظر على الاقتراح اللبناني الذي حمله الموفد الأميركي آموس هوكستين.
هـ – الثقة بالنفس التي بات عليها الثلاثي السعودي – الإماراتي – المصري بعد الحرب الروسية – الاوكرانية، نتيجة تراجع السياسة الخارجية للديمقراطيين في الإقليم والتي تبدّي عقد صفقة مع طهران.
حسابان في جولة بايدن: تكريس الهواجس الإيرانية والخشية من عودة نتنياهو
تأسيسا على تلك الوقائع، يُنظر الى زيارة بايدن الى المنطقة على أنها محطة من شأنها أن تكرّس حكماً الهواجس الإيرانية، مع الخشية بأن تكرّس لاحقا بشكل أو بآخر عودة نتنياهو، حتى لو أتت هذه العودة من خارج السياق المُراد أميركيا.
ولا شك أن تطورات الوضع في اوكرانيا وأسعار النفط فرضت على الديموقراطيين اعادة رسم التوازنات والتحالفات في الشرق الأوسط. من هنا يُنظر الى الدينامية الحاصلة أميركيا على أنها تأتي في إطار سعي دؤوب من أجل اعادة التوازن الى المكونات الرئيسة في المنطقة، وعلى الأخص على مستوى الثلاثي السعودي والاماراتي والاسرائيلي، مع تطمينات للقيادتين القطرية والأردنية بأن إعادة التوازن هذه لن تأتي على حسابهما.
في المقابل، تُدرك الإدارة الرئاسية الأميركية أن كل تلك الترتيبات لا تستقيم في حال تحقق للعرب ما يريدونه لجهة إبقاء طهران خارج أي تفاهم. فيكفي أن يكون الخليج مضطربا لكي تبقى أسعار النفط مرتفعة. اذ إن أي حادث في مضيق هرمز، على سبيل المثال، سيبقي الطاقة في حال من الإشتعال، الأمر الذي ينتفي مع الحاجة الأميركية الى الاستقرار الاقليمي من أجل ابقاء أسعار النفط في المتناول. لذا من المتوقّع أن تلي زيارة بايدن اعادة اطلاق المسار التفاوضي مع ايران بعد منح العرب التطمينات اللازمة.
لبنانياً، لا بد من انتظار كيف سيتفاعل حزب الله مع كل هذه الدينامية الدراماتيكية المحيطة والمفرطة. كما لا بد من استكشاف الواقع الذي جعل رئيس مجلس النواب نبيه بري يُكثر من التنبيه في مجالسه من اغتيال سياسي للسُنة في لبنان (يقصد التعاطي مع موقع رئاسة الحكومة) وفي العراق، وهو الأمر الذي جعله يقف عثرة في وجه تغيير كان مأمولا على مستوى رئاسة الحكومة، الى جانب الموقف القواتي الذي أسهم مباشرة في تزكية خيار ميقاتي إمتدادا للتنسيق الخفي بينهما في الانتخابات النيابية والذي أسفر عن إهداء ميقاتي القوات مقعد الياس خوري في طرابلس على حساب سليمان جان عبيد.
والحقيقة أنه كان بالامكان تحقيق التغيير الإيجابي من خلال تكليف رئيس للحكومة من خارج المنظومة، على نقيض نجيب ميقاتي على سبيل المثال، لا يضع مصالحها متقدمة على مصالح اللبنانيين، ولا يوفّر جهدا لارهاق الاصلاحات المالية والاقتصادية وللتأسيس لنمط جديد من التعاطي على مستوى رئاسة الحكومة. لكن حسابات بري وسمير جعجع أطاحت بتلك الفرصة.