تنقسم الأوساط السياسيّة في لبنان والخارج في توَقّعاتها، في شأن مصير الملفّ النووي الإيراني، بينَ قائلٍ إنَّ هذا الاتّفاق سيحصل خلال المفاوضات الجارية حاليّاً، وآخَر مستبعد حصولهُ، وكُلٌّ من الفريقَين يبني توَقّعَه على قراءته للمواقف والتحرّكات الجارية في سويسرا وخارجها في هذا الصدد.
يؤكّد المُتفائلون بحصول اتّفاق نووي بين الغرب وإيران، أنّ مجرّد انطلاق الحديث في أروقة الأمم المتّحدة عَن محاولات لاستصدار قرار في مجلس الأمن الدولي يَرفع العقوبات الدوليّة المفروضة على طهران منذ عشرات السنين، يدلّ أوّلاً على أنّ الاتّفاق قد حصَل، وأنّ رَفع العقوبات هذه هو مِن مُتمّماته. لكنَّ العواصم العامِلة على استصدار قرار رفع العقوبات قد تلجأ إلى مُزامنته مع إعلان الاتّفاق النووي، لا قبلهُ.
أمّا المتشائمون، فَيَرون أنّ الدوَل العربيّة العاملة بدأبٍ على بناء مصالحها في المنطقة على نار الأزمات المُشتعلة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وحتّى في شمال افريقيا، لم تُنجِز ما خَطّطت لهُ بعد، وأنّ المطلوب بالنسبة إليها هو إطالة أمَد المفاوضات في الملفّ النووي الإيراني إلى فترة إضافيّة، عَلّها تتمكّن خلالها مِن إنجاز هذه المصالح، في اعتبار أنّ الاتّفاق مع إيران لن يكون نوويّاً فحسب، بَل سيتجاوز النووي إلى اتّفاق على خريطة سياسيّة جديدة في المنطقة تتحدّد من خلالها المصالح والأدوار الإقليميّة والدوليّة. لذلك، لا يضير هذه الدول أن تطول هذه الأزمات أكثر فأكثر، حتّى تُحقّق أهدافها ومصالحها المرجوَّة.
وفي هذا السياق، يورِد قطبٌ سياسيّ بارز واقِعةً حصلت في إحدى البلدات الجنوبيّة أخيراً، على وَقع التساؤل عَمّا إذا كانَ الاتّفاق النوويّ سيحصل أم لا. ويقول إنّهُ خلال لقاء شعبيّ في الجنوب، سألَ أحد الحاضرين نائباً من كتلة «الوفاء للمقاومة» هل سَتوقّع الدوَل الغربيّة الاتّفاقَ النوويّ مع إيران؟
فرَدّ عليه أحد «الختايرة» الحاضرين في اللقاء قائلاً: «بَدّك ياهُن يبَطّلوا أكل البَيض وشرب اللبن؟». فضحك الجميع، وسألوا «الختيار»: شو قصّة البَيض واللبن؟ فكانَ أنْ روى لهم القصّة الآتية، قائلاً:
«في يوم من الأيّام، «وزّمِت» عين أحَد القرويّين وأصابَها احمرار، فقصَدَ طبيبَ عيون في عيادته، حاملاً لهُ هديّةً كنايةً عن «سَلّة بيض» و»سَطل لبن» علّهُ يهتمّ بعينه ويَعفيه من أجر الكشف الطبّي عليها.
وأجلسَ الطبيب مريضَه أمامه وفحصَ عينه، ثمّ نظر إلى سَلّة البيض وسَطل اللبن مُستطلِعاً حجمَهما والمدّة التي يُمكن أن يستهلكهما خلالها بعدما أغراه المنظر وفتَحَ شهيّته، ثمّ عاجَلَ مريضه بـ«روشيتا» يصفُ له فيها عِلاجاً لِعَينه عبارة عن «قطرة» و»مرهم»، وقال له «استعمِلها شهراً ثمّ راجعني». وبالفعل، عادَ الختيار إلى طبيبه بعدَ شهر، وكانت عينه ما تزال على حالها من «التوزيم» والاحمرار، وحمَلَ له أيضاً سلّة بيض و»سطلَ لبن».
فعاوَدَ الطبيب الكَرَّة، فوَصَفَ له مرهماً وقطرةً مجدّداً وقال له: «إستعملها شهراً ثمّ عُد إليّ». وبعدَ شهر، عادَ إليه حاملاً أيضاً سلّة بيض و»سطلَ لبن»، وظلّت حال هذا المريض على هذا المنوال بضعة أشهر، عينُه على حالها، وطبيبُه يأكل البيض واللبن «بِبَلاش» ويَسمن.
وفي إحدى المَرّات، صودِفَ أن أصيبَ هذا الطبيب بمرض أقعَدهُ في الفراش، في وقتٍ عادَ نجله الذي أنهى تخصّصاً في طبّ العيون من الخارج، فراحَ يُداوم في عيادة والدِه. فحضَرَ الختيار للمراجعة الشهريّة لدى طبيبه، فالتقاهُ نجلُ الأخير في العيادة، فنظَرَ إليه قائلاً: «شو قصّتك، ليش تارك عينيك تسوء إلى هذه الدرجة؟»، فكشَفَ له عليها، وانتزَع منها «قشّة»، واصِفاً لهُ دواءً شافياً غيرَ الذي كان يصفُه الوالد، من دون أن يكشفَ أمرَ والدِه الذي غَشّ مريضَه بإبقاء القشّة في عينه لكي يستمرَّ في جلبِ سلال البيض وسطول اللبن.
ولمّا غادرَ المريض، دخلَ الطبيب الإبن على والده، حامِلاً له «سلّة البيض» وسطلَ اللبن الجديدَين، فسأله الوالد عن مريضه «الكريم» قائلاً: «هل نزَعتَ القشّة من عينه؟»، فأجابَه: «نعم ووصفتُ له دواءً شافياً»، فرَدَّ عليه الوالد: «بعدَ الآن لن تأكلَ بيضاً ولن تشربَ لبناً».
لقد عقّبَ الختيار على روايته، مُسقِطاً إيّاها على الواقع السائد في المنطقة، فسأل: «كيف للأميركيّين والأوروبّيين أن يَقبلوا باتّفاق مع إيران يحرمهم «أكلَ البيض وشربَ اللبن؟».
وأضاف: «فهُم يُعطّلون الاتّفاقَ ليستمرّوا في بَيع دوَل المنطقة والخليج عموماً الأسلحة والذخائر والطائرات بالعشرات، بل بالمئات من المليارات، فضلاً عَن الخَيرات التي يَنهبونها من هذه الدوَل، بترولاً وثروات طبيعية وغيرَ ذلك، فهَل يُعقَل أن يتّفقوا مع إيران ويُقفِلوا جبهات الحرب والتلويح بالحرب في الخليج والتخويف بـ»خطر» النوَوي الإيراني؟.
كُلّ ذلك هو بالنسبة إليهم بمثابة سلال البَيض وسطول اللبن التي لا يُريدون لها أن تنضبَ، فهُم يَحصلون عليها يوميّاً وأسبوعيّاً وشهريّاً وفصليّاً وسنويّاً، ويُريدون أن تبقى لهم «نعمةً» دائمة».