IMLebanon

السلام النووي وحروب المنطقة

ليس منع ايران من صنع القنبلة النووية ولا السقف المتدني لتخصيب الاورانيوم ولا تقييد تصدير السلاح أو استيراده ولا رفع العقوبات عن طهران أو امكان اعادة فرضها… ليست هذه الامور وحدها ما يجعل اتفاق فيينا تاريخيا. الطابع الاستثنائي لهذا الاتفاق يكمن قبل كل شيء في جهد ديبلوماسي لا سابق له ربما لإيجاد حل دائم لنزاع دفع واشنطن وطهران مراراً الى شفا حرب في السنوات الاخيرة كانت ستكون مدمرة ولا شك. إنها المرة الاولى منذ زمن تضطلع الديبلوماسية بدورها الحقيقي، بعدما دأبت على التحرك اثر حصول المذابح لا قبلها.

النزاع النووي بين ايران والغرب ليس أقل تعقيدا من حروب سوريا والعراق واليمن وليبيا. انه نزاع عالمي تداخلت فيه مصالح دول العالم كلها، لا جيران طهران فحسب. ونزاعات بهذا التشابك قلما تُحلّ عبرالقنوات الديبلوماسية قبل أن يتواجه اطرافها على الجبهات وبالصواريخ (مع بعض الاستثناءات مثل أزمة الصواريخ الكوبية). والحرب في مثل وضع ايران كانت باقرار الكثيرين ستكون مكلفة وعنيفة وطويلة وبلا نتائج مضمونة.

عملياً، وصل الجانبان الى شفير المواجهة في السنوات الاخيرة. الادارة الاميركية وضعت على الطاولة على الاقل منذ 2005 سيناريوات لحرب ضد ايران تشارك فيها اسرائيل. تقارير كثيرة تحدثت عن احباط الاستخبارات الوطنية الاميركية خططا لادارة جورج بوش عام 2007 لمهاجمة الجمهورية الاسلامية، بكشفها معلومات استخبارية مؤكدة عن أن ايران لا تملك برنامجا نوويا عسكريا ناشطاً. ومع ذلك، بقي خطر الحرب ماثلاً وسط مخاوف من توريط اسرائيل واشنطن في مغامرة عسكرية في المنطقة.

مرارا كانت المواجهة العسكرية قريبة جدا. ومع ذلك أمكن تجنبها بديبلوماسية حذقة. ديبلوماسية أخرجت اتفاقاً لم يبد استسلاماً لاي فريق ولا هزيمة ولا انتصارا ايضاً لاي منهما. والرئيس الاميركي باراك أوباما مثله مثل نظيره الايراني حسن روحاني، لم يحاول تصوير التسوية بأنها بين غالب ومغلوب ولا حتى انها تعادل بين طرفين.

اتفاق فيينا هو تاريخي بمعايير كثيرة. فالى كونه انتصارا للديبلوماسية، فهو يمهد لصفحة جديدة بين طهران وواشنطن خصوصاً، أي بين مشروعين متناقضين. اتفاق ليس متوقعاً أن يرتقي الى مستوى تحالف. وقد أقر أوباما بأن الاتفاق لا ينهي كل الخلافات مع ايران، الا أنه ينهي على الاقل عداء ساهم ولا شك في زيادة معاناة شعوب كثيرة من سوريا الى العراق ومن اليمن الى البحرين متفاقماً. لهذه الشعوب تحديداً، لن يكون اتفاق فيينا تاريخياً ولا استثنائياً الا إذا انسحب السلام النووي على الحروب التي تفتك بأرواحها وتدمر جنى عمرها.