«المستقبل» يصعِّد وحيداً.. وحلفاؤه يتمايزون
رنّ هاتف السفارة الإيرانية في بيروت، المتصل هو رئيس «حزب الكتائب» أمين الجميل.. والمناسبة هي تهنئة السفير محمد فتحعلي بالاتفاق النووي ـ الإطار بين إيران و «مجموعة الـ5+ 1».
استحسن الإيرانيون الاتصال، جاملوا الجميل، وكان حديث عن أهمية الاتفاق وتمنيات أن يسود الامن والاستقرار في كل المنطقة، ومن ضمنها بطبيعة الحال لبنان.
مبادرة الجميل هذه، لم تكن مفاجئة، ومثلها التحوّل في موقف «القوات اللبنانية» الذي ترجمه نائب رئيس هيئتها التنفيذية النائب جورج عدوان، بإشارات إيجابية غير مسبوقة تجاه إيران تجلّت في إعلانه رفع «الحرم القواتي» عن تسليح الجيش اللبناني من إيران، وكذلك في تجاه «حزب الله».
قد تبدو مبادرة الجميل طبيعية، إذ إنها تأتي تتويجاً لمسار اختطه الحزب لنفسه منذ مدة طويلة، وتمايز فيه عن كل حلفائه. وارتكز فيه على قراءة مختلفة للوقائع الداخلية والأزمات الخارجية، وهو لم يقطع شعرة التواصل مع خصوم الداخل وفي مقدمهم «حزب الله»، الذي ارتبط معه بعلاقات أقل حدة مما هي عليه بين الحزب وسائر مكونات «14 آذار».
ويلمس العارفون رغبة كتائبية في تمتين الشعرة أكثر مع «حزب الله»، خصوصاً أن لـ «الكتائب» قراءة متمايزة للاتفاق النووي الإيراني، يتحسّس من خلالها وجود مرحلة جديدة في المنطقة في ظل الاتفاق، فلا يذهب مع القائلين ضمن فريقه، إن هذا الاتفاق سيؤدي الى تحجيم «حزب الله» وسيضعه في مهبّ التسويات، بل على العكس من ذلك، والكلام للعارفين، فإن «الكتائب» يرى أن هذا الاتفاق سيضفي مزيداً من القوة على موقع «حزب الله» وحضوره السياسي، ويُضفي في الوقت نفسه مزيداً من القوة على موقع ايران ودورها وحضورها الإقليميين.
هذه القراءة تحفـّز «الكتائب» للاقتراب أكثر من «حزب الله» والتمسك بالحوار معه، وثمة لقاءات تجري بينهما من وقت إلى آخر بعيداً عن الإعلام.
هذه القراءة الكتائبية، معطوفة على الليونة غير المسبوقة لدى غالبية مسيحيي «14 آذار»، يربطهما المراقبون بالوقائع الإقليمية والدولية المتسارعة والتي فرضت على كثير من الدول إعادة النظر في مواقفها والتي تجلت في ما يلي:
– الاصطفاف الدولي الشرقي والغربي خلف الاتفاق ـ الإطار.
– تجاهل الرئيس الاميركي باراك اوباما الاعتراض الإسرائيلي.
– إشارة أوباما، للمرة الأولى، الى أن الخطر على دول الخليج، يأتي من داخلها وليس من إيران.
– الرسالة، متعددة الاتجاهات، التي اعلنها نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط توني بلينكن، من بيروت، حول أن الاتفاق قوي وسيمضي إلى الامام.
– الالتقاء الدولي على استبعاد خيار الحرب الإقليمية، وبروز ملامح منحى إقليمي ودولي لمعالجة المشكلات والملفات العالقة مع إيران بطريقة سلمية وليس عبر خيار الحرب.
– الإرباك الذي أصاب قوى التحالف في الحرب على اليمن، من مصر التي لا تبدو متحمّسة للشراكة المباشرة في الحرب، الى تركيا التي دعا رئيسها رجب طيب اردوغان، من طهران، الى مقاربة إقليمية شاملة تطال اليمن وسوريا والعراق، الى باكستان التي راهنت السعودية على شراكتها في الحرب فإذا بها تدعو إلى حل سياسي في اليمن بين إيران والسعودية.
تلك الوقائع، في رأي المراقبين، هي التي جعلت قراءة «الكتائب» وبعض مسيحيي «14 آذار» واقعية ومخالفة لتوجه حليفهم الأول «تيار المستقبل»، الذي يقف حالياً في موقعه الطبيعي منضبطاً بالكامل تحت سقف الموقف السعودي.
من الواضح أن «المستقبل» يعتمد سياسة التصعيد ضد «حزب الله» في الشارع، ويهادنه على طاولة الحوار، لكن الوجهة النهائية للموقف يحدّدها التوجه السعودي، وهناك رأي يرجّح أن تلتحق السعودية بالركب الاقليمي والدولي في نهاية المطاف.
يبقى أن «حزب الله» يراقب مسار الامور. يرى تلك الاشارات الايجابية من قبل الطرف الآخر، لكنه، لم يدخل في تقييمها رسمياً بعد، وإن كان من حيث المبدأ، يسجل ارتياحه لكل ما يساهم في تبريد الداخل، ولكل المواقف التي تتسم بالمرونة والليونة والاعتدال، والتي تستجيب للمنطق الذي طالما نادى به «حزب الله» والذي دعا فيه الأطراف كافة الى تنحية الخلافات السياسية جانباً، «ولندخل معاً الى معالجة الأزمات والمشاكل».