مع دخول الهجوم الروسي على أوكرانيا يومه السادس، وتصميم الحلفاء الغربيين على فرض أقسى العقوبات الممكنة على «موسكو»، برزت من جديد مخاوف اشتعال حرب نوويّة بين روسيا وأميركا وحلفائها من دول الغرب. فعندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عمليته العسكرية ضد أوكرانيا في 24 شباط الفائت، وجّه يومذاك تهديداً أكثر غموضاً، إذ قال: «بِغَضّ النظر عمّن يحاول الوقوف في طريقنا، أو خلق تهديدات لبلدنا وشعبنا، يجب أن يعلموا أنّ روسيا ستردّ على الفور، وستكون العواقب كما لم تروها من قبل».
أشير بعد هذا، الى أنّ جزءاً من خطابه يوضح مغزى حديثه، إذ قال: «لا تزال روسيا اليوم واحدة من أقوى الدول النووية».
إنّ تصريحات بوتين تُعَدّ مدعاة للقلق بالتأكيد، وبخاصة انه أعطى توجيهاته لجماعة «النووي» بتحضير أنفسهم، وهذا يعني أنّ بوتين وضع كل الاحتمالات على الطاولة، وكأنه يحذّر أميركا وجماعة «الناتو» من عملية رفع مستويات استعدادهم الى درجة قد «تؤذي» روسيا. ومن هذه النقطة بالذات، أعتقد ان الحرب القائمة حالياً باتت ضبابيّة إذا جاز التعبير.
وهنا أتساءل: لو عدنا الى الوراء… هل كان بالإمكان تلافي اندلاع هذه الحرب؟
الجواب: نعم… وذلك للأسباب التالية:
أولاً: ضعف الإدارة الأميركية وضعف الرئيس جو بايدن في اتخاذ القرارات. فلو كانت قرارات بايدن حازمة، وضمن لروسيا عدم إدخال أوكرانيا في حلف الناتو لانتهى الأمر.
ثانياً: لقد هدّدت أميركا ومعها الغرب بموضوع إخراج روسيا من برنامج Swift للمصارف. بوتين اعتبر هذا التهديد بمثابة قنبلة نووية اقتصادية لروسيا… ما زاده الأمر تصميماً على درء الخطر عن بلاده.
ثالثاً: تبلغ مساحة أوكرانيا حوالى 800 ألف كلم2، أي ما يعادل ضِعْفي مساحة فرنسا.. وهي بالكامل على حدود روسيا… فكيف تقبل الأخيرة وجود دولة كبيرة الى جانبها، وهي أقلّ منها قوة، لكنها تستعمل أسلحة فتاكة، وتهدد روسيا. وهذا تبرير منطقي ومقبول من قبل روسيا.
رابعاً: ان روسيا تشعر بأنّ اوكرانيا ومن يقف خلفها، تخطّط لإثارة الفتن والاضطرابات داخل روسيا… وهذا ما يرفضه بوتين جملة وتفصيلاً.
خامساً: لا شك أنّ ما أعلنته أوكرانيا من رغبة للانضمام الى حلف الناتو أقلق روسيا… إذ في حال انضمام أوكرانيا للحلف، فإنّ أسلحة جديدة ومتطوّرة ستهدد روسيا والأمن القومي فيها.
سادساً: الرئيس بوتين هو من أهم الرؤساء الذين مرّوا في تاريخ روسيا… وطموحاته كبيرة بإعادة أمجاد الاتحاد السوڤياتي.. وهو يعلم تماماً أنّ روسيا دولة عظمى.. تملك كل المقوّمات التي تجعلها تقارع الكبار.
سابعاً: ما حدث في سوريا، اثر التدخل الروسي، أعطى الروس خبرة جديدة، فتطوّرت أسلحته الجوية والدبابات والصواريخ.. ما فرض على كل من يفكّر أن يلحق الأذى بروسيا، التفكير مليون مرّة.
ثامناً: بعد سقوط النظام الموالي للأميركيين في كوبا عام 1958، حاولت الولايات المتحدة إسقاط النظام الجديد بقيادة فيديل كاسترو بالقوّة، وقامت بعدّة عمليات عسكرية أبرزها معركة «خليج الخنازير» وعملية «النّمس»، ورداً على نشر صواريخ في ايطاليا وتركيا، ما شكّل تهديداً للأمن القومي في الاتحاد السوڤياتي، تدخّل الاتحاد في كوبا وبنى قواعد سرّية لعدد من الصواريخ النووية متوسطة المدى، وصار بإمكانه ضرب معظم أراضي الولايات المتحدة، فاندلعت مواجهة سياسية حادّة بين الجانبين، ترافقت مع استنفار عسكري غير مسبوق وخصوصاً للأسلحة النووية.
استمر الرّعب النووي يومذاك 13 يوماً، لكن المسألة انتهت بعد مفاوضات سرية بين الجانبين، انتزع الاتحاد السوڤياتي تعهداً أميركياً بسحب الصواريخ الأميركية من تركيا، وبعدم غزو كوبا، مقابل سحب الصواريخ السوڤياتية من كوبا.
ومن هنا أتمنى أن تحلّ قضية الهجوم الروسي على أوكرانيا حبّياً حتى لا يقع العالم كله فريسة ترسانات نووية… إذ ان الرؤوس النووية المخزنة في كل من روسيا والولايات المتحدة، ستكون وسائل تدمير للعالم كله، ووبالاً على الشعوب في دول العالم قاطبة.
لكن تبقى التهديدات بالأسلحة النووية، وهي قوّة تدميرية هائلة، مسبّبة لقلق عالمي مبرّر. ومهما كانت نتائج الحرب الحالية فإنّ نوعاً من التفكير في سيناريوات استخدام الأسلحة النووية مثيرة للخوف والهلع.
إنّ الجهود المبذولة لعدم الوصول الى حد استخدام هذه الأسلحة تحتاج الى عناية مستمرة وصيانة دائمة.