حين ظهر الامير محمد بن سلمان في اسلام آباد مع وزير الدفاع الباكستاني، اشتعل العديد من مواقع التواصل الاجتماعي في طهران، كما في مدن اخرى، بالتعليقات العاصفة. البعض غاضب والبعض الاخر ساخر «هل سيعود صاحب السمو الى الرياض محمّلا بالرؤوس النووية ليضرب بها ايران؟».
لا ندري ما اذا كان التعليق ساخراً بالفعل. المملكة موّلت جزءاً لا يستهان به من المشروع النووي الباكستاني الذي انتهى بحيازة القنبلة، الان حان وقت الحساب والمحاسبة.
لا بد ان تكون للسعوديين حصتهم التي يأخذونها ساعة يشاؤون من الترسانة الباكستانية. من الطبيعي ما دامت ايران، وتبعاً لما ورد في المواقف الرسمية كما في المقالات والتعليقات، تهدد امن المملكة، بل وتهدد امن كل البلدان العربية والاسلامية، ان يحصل السعوديون، وفي هذا الوقت بالذات، على درعهم النووي للدفاع عن وجودهم.
متشددون ايرانيون اخذوا على الرئيس حسن روحاني «التضحية» بالمشروع النووي في مقابل علاقات ملتبسة بل و«جهنمية» مع الولايات المتحدة التي تتقن لعبة الاقنعة وفي كل اروقة المنطقة.
ثمة من يسأل «هل كان باستطاعة الرياض ان ترفع صوتها الى هذا الحد لو كانت ايران لا تزال ماضية في سياساتها النووية؟». السؤال يتناقض تماما مع ما يعلنه بعض المسؤولين في طهران من ان تلك المواقف الصارخة للمملكة سببها الحيلولة دون الايرانيين وجني الثمار المالية والاستراتيجية لاتفاق فيينا، بالتالي ابدال العقوبات الغربية بالعقوبات العربية.
على المواقع الاجتماعية من ندد بالتظاهرات «الغوغائية» التي احرقت السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد، حتى ان احدهم تصوّر ساخرا ان الاستخبارات السعودية هي التي كانت وراء التظاهرات لاستخدامها كذريعة في الحرب السياسية وربما ما بعد السياسية الراهنة.
كاتب سياسي بارز قال على الشاشة ان السعودية تطير بجناحين هما مصر وباكستان. هنا حيث تتقاطع الغطرسة مع السذاجة، كيف يمكن لهذا الكاتب المقرب جدا من البلاط ان يعتبر دولتين بتلك الضخامة مجرد جناحين للمملكة كي تحلق في فضاءات الكرة الارضية؟
الكاتب استدرك. مصر لا تتبنى النظرة السعودية، وهي غارقة في مشكلاتها وازماتها. بالحرف الواحد قال «والحال هذه»، ان المملكة تطير بجناحين، باكستان وتركيا. الجناحان غير عربيين لدولة تحمل اسم المملكة العربية… السعودية!
بطبيعة الحال، ثمة من رأى ان ايران، بكل ما اوتيت من حنكة ومن طول باع وطول اناة، استدرجت الى السيناريو الذي اعدته الرياض لتعبئة العالمين العربي و الاسلامي (وهما عالمان افتراضيان) ضد نظام آيات الله. قطعت رأس الشيخ نمر النمر، فتعالى صراخ كبار القوم في ايران. كان هذا كضؤ اخضر ليس فقط للتظاهر، بل ولاحراق السفارة والقنصلية…
استطرادا، من رصد ردة الفعل الرسمية الايرانية كيف له ان يستغرب ما فعله المتظاهرون، وكان التصعيد السعودي من موقع الى موقع. غريب ان الامور لم تصل الى حد الدعوة الى عقد قمة عربية او قمة اسلامية. ربما لان اي قمة لا تلبث ان تتحول الى كوميديا سياسية.
اذاً، جناحان للمملكة التي كنا نتمنى لو كان جناحاها العراق وسوريا، وفي اطار ديناميكي خلاق، ينتشل العرب من القاع الديبلوماسي الى رؤية مستقبلية تعيد هيكلة المنطقة استراتيجيا، وانطلاقا من المعايير والمصالح العربية..
الباكستانيون كانوا صريحين منذ هبوب «عاصفة الحزم». هاجسهم الاستراتيجي اكثر تعقيدا بكثير من الهاجس السعودي. هناك الهند، بامكاناتها الهائلة، والتي لا تزال تنظر الى باكستان على انها دولة هجينة، وهناك افغانستان التي طالما وصفها جنرالات باكستانيون بـ«فوهة الجحيم»، فيما الداخل الباكستاني ينطوي على قابلية هائلة للانفجار ليس فقط بسبب الموزاييك الاتني والمذهبي وانما ايضا بسبب الهشاشة الاقتصادية والسياسية على السواء…
السعوديون انفقوا مليارات الدولار لدعم الجيش الباكستاني على انه جيش المملكة. لكن اسلام آباد خذلت الرياض في حرب اليمن، كما في «حربها» الحالية، اذ كيف لها ان تفتح جبهة ضد ايران التي لولا التنسيق معها لكان مقاتلو «طالبان» يجوبون شوارع لاهور وروالبندي وكراتشي وحتى اسلام آباد…
تركيا الجناح الاخر. السلطان الذي يخطط لوضع اليد (اليد العثمانية) على المشرق العربي هو مجرد اداة، اداة للطيران، وبادارة ملك عربي…
بالمنطق فقط، ودون التماهي مع السياسات الايرانية وفي اكثر من مجال، الى اين تريد الرياض ان تصل؟ الامير محمد بن سلمان قال ان بلاده لا تفكر في الحرب ضد ايران لان ذلك يعني الكارثة. ولكن الى اين يفضي هذا الاستنفار، وعلى مدار الساعة، سوى الى الحرب؟
ليت السعوديين، اشقاءنا السعوديين، يدركون ما يقوله الديبلوماسيون الاميركيون والروس وحتى الانكليز، حول سياسات حافة الهاوية التي هي الوجه الاخر للانتحار. لا نريد لاي دولة عربية ان تنتحر. يكفينا ذاك العراء الاستراتيجي، حيث التراقص السيزيفي بين الثلاجة و…المقبرة!