ليس بالمسألة البسيطة أن تتضارب الأرقام بين وزارة المالية وحاكمية مصرف لبنان. ويزداد الأمر دقةً عندما يكون هذا التضارب معروضاً على صندوق النقد الدولي، وهو ما قد يكون مطروحاً أمام مجموعة دعم لبنان المنبثق منها مؤتمر سيدر أو باريس 4 المفترض أنه سيمُدنا بتغطية بعض المشاريع، وبالذات في البنى التحتية مقابل هبات وقروض مُيسّرة.
واضحٌ أنّ الجولة الأخيرة لحاكم مصرف لبنان على كبار المسؤولين، التي شملت الرؤساء الثلاثة، قد نجحت ليس فقط في تضييق المسافة بين الأرقام وحسب، بل كذلك في التوصّل إلى تطابُقها أخذاً بالبيانات التي قدّمها الحاكم والتي تبيّن أنها مبنيّة على مستندات دقيقة.
وهذا في حدّ ذاته عنصرٌ جيّد، على أمل ألا يتكرّر في أيّ لقاء جديد بين الجانبين اللبناني والدولي ما حدث في اللقاء الأخير، فيتوجّه الوفد اللبناني إلى هذه المحادثات، عبر تقنيّة التواصل عن بعد، وهو على موقفٍ واحد وهذه بمثابة الخطوة الأولى والأساس في مسيرة الألف ميل.
وللمناسبة، فإنّ الأرقام التي يُرمى بها في وجوه اللبنانيين، باتت سمة هذه الأيام. فليس مفروضاً في المواطن أن يكون المرجعيّة في هذا المجال. كذلك ليس مفروضاً في الشعب اللبناني أن يكون مجموعات خبراء في عالم المال. لذلك هناك وزراء مال أو وزراء خزانة حسب التسمية في كلّ بلد. وبالتالي فلأننا نُدرك أنّ التراشق بالأرقام ما هو إلا مجرّد توظيف سيىء في خدمة اللعبة السياسية. وهذا أخطر ما يُبتلى به وطنٌ وشعب.
معروفٌ أنّ شعوب العالم قاطبةً، أو أقلّه في معظمها، تهوى السياسة وتُـمارس أشغالها. أما عندنا فالأكثرية تهوى الشغل وتحترف (وأي إحتراف!) السياسة. وربما كانت هذه الحال مقبولة أيام البحبوحة والإزدهار. أما اليوم، فهي حالٌ ميؤوس منها في هذه الأزمة الإقتصادية الخطرة المتمادية، وفي زمنٍ باتت البطالة سائدة وفي وتيرة إرتفاعٍ مطّرد.
من هذا المنطلق ناشدنا، وسنظلّ نُناشد، مراراً وتكراراً، أهل الحلّ والربط أن يتّقوا الله في البلاد والعباد. فعلاً كان الله في عون هذا الشعب الصامد الصابر المغلوب على أمره بالرغم مما شهِدته ساحات المدن والبلدات وحتى القرى من تجمّعات وهتافات وشعارات.