Site icon IMLebanon

الأرقام كما هي سيِّئة ومُقلقة

يواجه البلد أزمة مالية-اقتصادية بلغت مراحل متقدمة من الخطورة. ولولا نقطة التحوّل المعنوي المتمثلة بانتخاب رئيس للجمهورية، وتكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة، لكان الوضع اليوم اسوأ، نفسياً وفعلياً. لكن، القلق بدأ يتسرّب الى النفوس، فهل تعود الامور الى المربع الاول، ونفقد دفعة الأمل، التي حظينا بها بعد طول انتظار؟

يمكن تشبيه الوضع الاقتصادي والمالي الحالي، بالوضع السياسي العام. بعض الاطراف يفرّقون بين تمثيلهم الفعلي على الأرض وتمثيلهم الدفتري، (عدد نوابهم في المجلس). وهذا من حقهم ما داموا يملكون المعطيات حول وجود هذه الثغرة.

في الاقتصاد، تبدو الامور شبيهة بهذا الوضع. دفترياً، أي قياسا بمنسوب التفاؤل الذي تولّد نتيجة التطورات السياسية الايجابية، يبدو الاقتصاد وكأنه استفاق من غيبوبة قاتلة غرق فيها قبل الانتخابات الرئاسية. واقعياً، لم تتغير الامور كثيرا.

الأرقام باقية على وضعيتها السيئة. حجم الدين العام قياسا بالناتج المحلي سيصل الى 150 في المئة مع نهاية العام الجاري. وهي نسبة مرتفعة، تعكس وجود خطر على الوضع المالي. العجز في الموازنة يواصل الارتفاع بسبب استمرار الانفاق في غياب الموازنة.

وقد ساهمت التنفيعات والزبائنية واعتماد اسلوب التوظيف بالتعاقد، بسبب استحالة التوظيف في الملاك، الى رفع نسبة المال المخصص لرواتب موظفي ومياومي القطاع العام. وبالمناسبة، أثبت تحرّك مياومي الكهرباء، ان كل انواع التعاقد الوظيفي من خارج الملاك سوف تتحول في المستقبل الى أزمة، لن تتم معالجتها سوى على حساب المال العام. وتشير التقديرات الاولية الى ان نسبة العجز في العام 2016 سوف تبلغ رقما قياسيا جديدا يتجاوز الـ 5 مليار دولار.

لا تشير أرقام التجار، رغم نفحة التفاؤل، الى وجود حركة كافية يمكن ان تحرّك الدورة الاقتصادية في البلد. أما الحركة السياحية فهي مقبولة بشكل عام استنادا الى حركة اللبنانيين القادمين من الخارج.

لكن لا وجود لمعطيات تشير الى قدوم الخليجيين. ربما ينتظر هؤلاء الزيارة الموعودة التي سيقوم بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى السعودية. بالمناسبة، تبدو زيارة عون المتوقعة الى المملكة مهمة جدا، ويعلّق عليها الاقتصاديون الآمال في تحريك العلاقات الاقتصادية والسياحية وحتى الاستثمارية.

ولا بد هنا، من التنويه بكلام امين عام حزب الله، الذي اعلن موقفا غير رافض لتحسين العلاقات اللبنانية-الخليجية، بما يساعد في اعطاء دفع اضافي لانعكاسات زيارة من هذا النوع، يقوم بها رئيس جمهورية لبنان.

في عودة الى الأرقام، لا بد من الاشارة الى ان الاقتصاد يحتاج، بالاضافة الى المناخ الايجابي على المستويين السياسي والامني، الى اجراءات عملية تتيح تحسين الايرادات، وخفض الانفاق غير المجدي، وخفض منسوب السرقة والهدر في المال العام.

واذا أضيف حجم المال الذي يُهدر بهدف السرقة او بسبب الاهمال، الى المال الذي لا يدخل الى الخزينة، بسبب التهرّب الضريبي السائد بشكل عام، يتكوّن رقم ضخم قد يتجاوز الخمسة مليارات دولار. وهو يوازي حجم العجز في الموازنة. بما يعني ان خفض نسبة الهدر، لا تؤدي الى القضاء على العجز فحسب، بل انها قد تحول العجز الى فائض.

هل يمكن تحقيق هذا الامر؟

الجواب يرتبط بملف مكافحة الفساد. ولا يمكن تحقيق هذا الامر من دون اعطاء الاصلاح الضريبي اولوية في هذا المجال. خصوصا ان التهرّب الضريبي المنظّم القائم في البلد، يؤدي الى ضرب الاقتصاد الوطني والى الاضرار بمصالح كل المكلفين.

واذا كانت منظمة «أوكسفام» تعتبر ان قيام نظام ضرائبي لا يفرض ضرائب مرتفعة على الشركات قد يضطر الحكومات إلى اللجوء الى خفض الإنفاق أو زيادة الضرائب من نوع «ضريبة القيمة المضافة» والتي تؤثر بشكل مباشر على الفقراء، فان الوضع في لبنان يختلف عن هذا الواقع. فرض الضرائب غير المباشرة على الناس لا يتم بسبب الضرائب المنخفضة على الشركات، بل بسبب الفساد الذي يؤدي الى تهرّب الشركات من دفع الضرائب المتوجبة عليها.

مع الاشارة الى ان الشركات تجد لنفسها الاعذار المنطقية احيانا، لأن الالتزام بدفع ضرائب مرتفعة نسبيا في وضع اقتصادي كما هو الوضع في لبنان، سيؤدي حتما الى اقفال عدد كبير من المؤسسات، والى زيادة البطالة، وزيادة الضغط على الاقتصاد الوطني.

في عودة الى تقرير منظمة «أوكسفام» حول الدول التي تمثل ملاذا آمنا للتهرّب الضريبي حول العالم، يتبيّن ان بعض الدول التي تعتمد سياسة خفض الضرائب لجذب الاستثمارات باتت تتمتع باقتصاد مزدهر، على غرار ايرلندا على سبيل المثال.

وهناك دول تنتمي الى الاتحاد الاوروبي عمدت الى اتباع هذه السياسة رغم اعتراض دول أخرى اعتبرت ان هذا الاسلوب يجعل التنافس على جذب الاستثمارات، غير متكافئ بين الدول.

لبنان القلق من قانون التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية، يستطيع ان يتبع هذا الاسلوب، وان يستفيد في جذب الاستثمارات، وفي خفض منسوب الفساد. وهو بذلك لا يجازف، لأن جارته قبرص وهي عضو في الاتحاد الاوروبي تعتمد هذه السياسة، ولم تتعرض لأي مضايقات فعلية من الدول الاوروبية المعترضة.

لبنان في العهد الجديد، امام فرصة لإنجاز نقلة نوعية في المفهوم الضرائبي، وفي تحسين الايرادات وجذب الاستثمارات، وتخفيف الضرائب عن كاهل المكلفين.

قائمة الملاذات الآمنة للتهرب الضريبي

الترتيب الدولة

01 برمودا

02 جزر كايمان

03 هولندا

04 سويسرا

05 سنغافورة

06 آيرلندا

07 لوكسمبورج

08 كوراساو

09 هونج كونج

10 قبرص

11 جزر الباهاماز

12 جيرسي

13 بربادوس

14 موريشيوس

15 جزر العذراء البريطانية