IMLebanon

الأرقام تُثبت لاطائفية التفاح اللبناني خلافاً للإعتقاد السائد

٣٥ ألف طن فائض الإنتاج من التفّاح اللبناني! هذا الأمر يُشكّل خسارة كبيرة للمزارعين الذي يفتقرون إلى أي دعم حكومي إن على الصعيد المالي أو الإرشادي. وما يزيد الوضع سوءا هو أن الهيئات الدولية لمساعدة النازحين تستورد التفاح من الخارج. فما هي حقيقة وضع التفاح في لبنان؟ وما هي وسائل الحلّ؟

إن مطامع العالم في لبنان ليست بجديدة فالرومان عندما إحتلّوا لبنان، أرادوا جعله خزانا زراعيا لأمبراطوريتهم. وكذلك فعل الفرنسيون أيام الإنتداب حيث كان الحلم بأن يكون لبنان المُستعمرة الأساسية التي تُلبّي حاجات أوروبا الغذائية.

رحل الرومان والفرنسيون وغيرهم وبقيت الأرض اللبنانية بدون خطط زراعية تسمح بجعل لبنان معادلة صعبة في الإنتاج الإزراعي. من جهة، أخذ البناء العشوائي يقضم أقساما كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة، ومن جهة أخرى برزت مشاكل الريّ التي تعترض المزارعين إضافة إلى عدم القدّرة على تصريف الإنتاج.

كل هذا دفع بالعديد من المزارعين إلى التخلّي عن الزراعة لمصلحة أعمال في القطاع الخدماتي، كما أن الكثيرين من أبناء المزارعين لم يرثوا المهنة بل توجّهوا إلى الوظائف في المؤسسات العامة والخاصة.

أمّا ما تبقّى من مزارعين، فإنهم يواجهون كل يوم مشاكل هذا القطاع الذي يُمكن إعتباره بدائيا: مُشكلة الريّ تبقى المُشكلة الأساسية في غياب نظام ريّ حديث يسمح بتوفير المياه من جهة ويُعطي فعّالية أكبر من جهة أخرى. أيضا لم يعتمد هذا القطاع على التكنولوجيا في عملية الزرع والإنتاج وبالتالي بقي في حالته البدائية أي انه يعتمد على اليدّ العاملة (المُكلفة) للقيام بكل ما يلزم.

هذا الأمر جعل من القطاع الزراعي اللبناني عاجزا عن منافسة المنتوجات الزراعية في الدول الأخرى. حتى في لبنان أصبحت المنتوجات الزراعية المُستوردة تُنافس المنتوجات المحلّية وهذا بتواطؤ المُستهلك اللبناني الذي يُفضّل كل ما هو مُستورد على الإنتاج المحلّي.

حال زراعة التفاح في لبنان لا يختلف كثيرا عن باقي المنتوجات الزراعية. إذا كان البعض يُعطي طابعا طائفيا لزراعة التفاح في لبنان، فإن هذا ينمّ عن جهل الواقع حيث أن زراعة التفاح تتعلق كثيرا بطبيعة الطقس (ينمو التفاح في الجبال على إرتفاع ٨٠٠ م) وبالتالي بإستثناء الجنوب، نرى أن كل المُحافظات تتمتّع بمستويات متعادلة تقريبا. على ١٢٤٢٤٦ دونم من المساحات المزروعة تفاح على إمتداد لبنان، هناك ٢٦٪ في جبل لبنان، ٢٣٪ في محافظة لبنان الشمالي، ٢٢٪ في محافظة بعلبك – الهرمل، عكّار ١٣٪، البقاع ١٢٪، النبطية ٢٪ والجنوب ٢٪. على هذه المساحات المزروعة هناك ٦٠٪ من هذا التفاح المزروع هو تفاح أحمر و٤٠٪ تفاح أصفر.

يبلغ إنتاج لبنان من التفاح ما يعادل ١٦٠ ألف طن سنويا تُضاف إليها ١٧٠٠ طن مُستوردة من الخارج (مجموع ١٦٢ ألف طن). في المقابل يُصدّر لبنان ما يوازي ٥٧ ألف طن ويستهلك السوق المحلّي ما يُقارب الـ ٧٠ مليون طن. بمعنى أخر، هناك فائض قدره ٣٥ ألف طن من التفاح سنويا لا يجد سوقا للتصريف! جدير بالذكر أن هذه الأرقام تستند الى العام ٢٠١٥.

تتوجّه صادرات لبنان من التفاح بالدرجة الأولى نحو البلدان العربية وعلى رأسها مصر التي تستقبل أكثر من ٧٠٪ من مجمل الصادرات مع ٨.٨ مليون دولار أميركي في العام ٢٠١٥، تليها المملكة العربية السعودية مع ١.٣ ألف د.أ، الكويت ٦٩٨ ألف د.أ، الأردن ٥٠٦ ألف د.أ، العراق ٣٥٥ ألف د.أ…

أما إستيراد لبنان من التفاح (ونستغرب لماذا هناك إستيراد للتفاح!)، فيبلغ ١٧٠٠ طن تأتي بالدرجة الأولى من إيطاليا ٩٧٦ ألف د.أ تليها فرنسا مع ٢٤٣ ألف د.أ، تشيلي مع ١٢٣ ألف د.أ، نيوزيلاندا ٤٥ ألف د.أ، الولايات المُتحدة الأميركية مع ٤١ ألف د.أ، وهولندا ٤ ألاف د.أ. أيضا هناك قسم من التفاح اللبناني المُرتجع والذي يبلغ ٣ ألاف د.أ.

الغريب في الأمر هو كيف للبنان أن يستورد التفاح في حين أن لديه فائضا في الإنتاج لا سوق له. وبالنظر إلى الإحتمالات الموجودة، نرى أن هذا الإستيراد هو ما تشتريه الهيئات الدولية التي تُساعد النازحين السوريين في لبنان. وهذا الأمر يُشكّل فضيحة بحكم أن الاتفاق مع الحكومة اللبنانية هو أن تعمد المنظمات الدولية إلى شراء كل المُساعدات التي تقدمّها إلى النازحين السوريين من لبنان.

في جميع الأحوال وكما يقول المثل اللبناني: «ما بحك جلدك مثل ضفرك»، يتوجب على لبنان حلّ مشاكله بنفسه. هذا الأمر يفرض أن يكون للبنان خطة تطال القطاع الزراعي بالمُجمل وقطاع التفاح خصوصا.

هذه الخطّة تعتمد على محاور عدة:

المحور الأول: إيجاد أسواق جديدة للتفاح خصوصا في البلدان التي فيها جاليات لبنانية كبيرة على مثال البرازيل وأستراليا وغيرها. على هذا الصعيد يجب القول أن المسافة التي تفصلنا عن البرازيل ليست بعقبة خصوصا أن هناك تقنيات تعتمد على ضرب التفاح بإشعاع نووي (بنسبة ضئيلة جدا) تسمح للتفاح بالبقاء طازجا لفترة طويلة (تفوق الـ ٤٥ يوما) وفي نفس الوقت لا تُشكّل ضررا على صحة الإنسان.

أيضا يُمكن للبنان البحث في فتح أسواق جديدة له في مناطق أفريقية عبر تعاون مُشترك مع مصر. هذا الأمر يطال بلدان مثل بلدان المغرب العربي وبلدان جنوب أفريقيا.

المحور الثاني: تشجيع الإستثمارات في الصناعة الزراعية أي الصناعات التي تكون موادها الأولية التفاح والمُنتج هو سلع مثل خلّ التفاح، ومربّى التفاح وغيرها… هذا الأمر يتطلّب بالطبع برامج تحفيزية مثل الإعفاء من الضرائب خلال السنوات الخمس الأولى وتقديم قروض مدعومة من قبل الدولة اللبنانية.

المحور الثالث: العمل على زيادة الإستهلاك الداخلي عبر حملات وطنية تقوم بها وزارة الاقتصاد والتجارة بهدف لبننة الإقتصاد (كما يقول وزير الإقتصاد).

المحور الرابع: مُطالبة الهيئات الدولية بالإلتزام بتعهداتها بشراء المنتوجات اللبنانية وخصوصًا التفاح عملًا بالإتفاق الذي جرى بين الحكومة اللبنانية وهذه الهيئات. وهذا الأمر يجب أن يطال كل المُساعدات التي تُقدمها هذه الهيئات للنازحين أقلّه أخلاقيًا تجاه البيئة الحاضنة!

في الختام، لا يسعنا القول إلا أن ما يطال لبنان من ضرر نتيجة شلل القرارات الاقتصادية يُضرّ بشكل كبير بالإقتصاد اللبناني. من هنا يتوجب على الطبقة السياسية أن تعمد إلى إنتخاب رئيس للجمهورية، علّ في هذه الخطوة باب خلاص للبنان.