Site icon IMLebanon

أيها اللبنانيّون… نحن على “كفّ عفريت” وأنتم في خطر!

 

التمريض يدقّ اليوم الناقوس

 

 

“إذا مش كرمالنا… كرمال صحة عيالكن حافظوا على التمريض”. “مهنة التمريض في خطر يعني صحة الناس في خطر- كلّنا مسؤولون”… شعارات رفعها ممرضو لبنان وممرضاته منذ أشهر ودقّوا من خلالها ناقوس الخطر لكن ليس من مستجيب، وكأن الجميع يسدون آذانهم عمداً عن استغاثات تصدر عن هذا القطاع، الذي يقف اليوم في الصفوف الأمامية للتصدّي لحرب شرسة تهدد الإنسان بصحته. الحلول الإنقاذية لا تزال بعيدة والإضراب التحذيري اليوم يرسم صورة داكنة لما يمكن أن يكون عليه الوضع إذا غاب التمريض عن لبنان ومستشفياته.

 

 

صرخة احتجاج وألم يطلقها افراد الجيش الأبيض الذين سقطت منهم الممرضة زينب حيدر شهيدة الواجب، في وجه الظلم الذي يطالهم. المطلب واحد: “حقنا ناخد حقوقنا”. حقوقهم التي باتت اليوم رهينة أوضاع اقتصادية ومالية وقانونية متشابكة، ضائعة ما بين إدارات المستشفيات وبين وزارتي العمل والصحة.

 

صرخة التمريض هذه تأتي نتيجة تراكمات كثيرة مجحفة وظالمة أصابت المهنة على مدى العامين الماضيين، وأبرز تجلياتها ما حصل من صرف جماعي لموظفين من مستشفى الجامعة الأميركية بينهم 150 ممرضاً تم الاستغناء عن خدماتهم، في وقت تحيي بلدان العالم بأجمعه جهود ملائكة الرحمة في مواجهة جائحة كورونا. وتنسحب المعاناة الى ممرضي وممرضات مستشفى رفيق الحريري وغيره وغيرهما وغيرها…

 

على كف عفريت

 

اليوم إضراب الممرضين والممرضات، فهل الحقوق المادية هي ما يسعى إليها هؤلاء أم أن هناك سلسلة من المظالم يتعرضون لها خصوصاً في ظل تفشي وباء كورونا؟

 

نقيبة الممرضين والممرضات في لبنان ميرنا ضومط تسهب في التحدث عن واقع هذا القطاع وهمومه فتقول: “منذ اندلاع أحداث تشرين الماضي، وما رافقها من إقفال أدى الى صعوبات مادية، اتخذ بعض المستشفيات منها حجة لصرف ممرضين او إعطائهم إجازات غير مدفوعة او عمد الى إجراء حسومات من رواتبهم زادت عن خمسين في المئة، وصولاً الى التمنع عن دفع الرواتب لأكثر من شهرين. ومع اشتداد الأزمة المالية ونقص الدولار ازدادت الأوضاع سوءاً، إلى أن وصلنا الى جائحة كوفيد-19، هنا بات الوضع أصعب بكثير وتم تكبيد الممرضات اللواتي وقفنَ في الصفوف الأمامية الثمن مادياً ومعنوياً، حيث إذا أصيبت إحداهن بالفيروس يتم إيقافها عن العمل ومنحها إجازة غير مدفوعة فتكون فترة الحجر المفروضة عليها، على نقيض التعميم رقم 20/1 تاريخ 20 آذار 2020 على حسابها الخاص.

 

تُرك العاملون في القطاع التمريضي في مواجهة مخاطر صحية كثيرة، خصوصاً أن المستشفيات لم تزودهم بالوقاية الضروية لحماية أنفسهم من الفيروس فلم يعطهم بعضها أكثر من ماسك واحد كل 12 ساعة، وهذا ما يشكل خطراً عليهم وعلى المرضى على حد سواء، أما الحجة في ذلك فهي ان التجهيزات تخصص بمعظمها للعاملين في أقسام الكورونا. وتبين لاحقاً ان معظم من اصيبوا بالفيروس من الجهاز التمريضي اصيبوا في الوحدات الأخرى التي تستقبل مرضى عاديين، بسبب تماسّهم المباشر مع الأهالي والزوار”.

 

 

تتابع النقيبة: “من لم يصرف من عمله تعسفاً ولم تنتهك حقوقه المادية فإنه يعيش تحت عبء الخوف على مستقبل أصبح غير مضمون، لا سيما أن بعض المستشفيات قد جعل ممرضيها يوقعون مرغمين على استقالات مفتوحة، وهذا أمر مناف لكل القوانين. كما يتحجج البعض بنقص أعداد الممرضين لتشغيل اشخاص من غير اللبنانيين أقل كلفة بالنسبة إليهم، رغم أن القانون اللبناني يمنع على غير اللبنانيين – باستثناء الفلسطينيين- العمل في القطاع التمريضي ويعمدون الى استبدال ذوي الخبرة بآخرين جدد اقل كلفة على إدارات المستشفيات، التي يمكن ان تضع عليهم شروطاً قد لا يرضى بها السابقون”، تضيف ضومط: “بعيداً من أزمة المستشفيات ثمة أزمة أخرى تطرق باب الممرضين ناجمة عن استبعاد المدارس للممرضات العاملات فيها، نظراً لاعتماد آلية التدريس أونلاين وعدم وجود طلاب في حرم المدرسة وبالتالي انتفاء الحاجة الى ممرضة، علماً أن التلاميذ يتعرضون لصعوبات نفسية وحتى صحية نتيجة هذا النوع من التعليم تستدعي تدخل الممرضة”.

 

مصير التمريض في لبنان مهدد إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، والسؤال هل المشكلة مع اصحاب وإدارات المستشفيات أم مع الحكومة والوزارات المعنية؟

 

“إنها حلقة مفرغة”، على ما قالت نقيبة الممرضين، وأضافت: “يجب السعي الى خرقها في مكان ما، فالحكومة لم تسدد المستحقات المتوجبة عليها للمستشفيات العامة والخاصة، بما فيها المستحقات المتوجبة على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصناديق الصحية العسكرية، ولم تعد المستشفيات قادرة على استقبال حالات كثيرة نظراً لتوقف شركات التأمين والجهات الضامنة عن الدفع وهذا بالطبع يؤدي الى صعوبات مالية عند المستشفيات”. النقيبة تتحسس طبعاً هذه المشكلة لكنها تؤكد “عدم جواز أن تكون الهيئات التمريضية ضحية هذا الوضع، فالمستشفيات القادرة على شراء المستلزمات الطبية بالدولار لا شك قادرة على توفير رواتب طواقمها التمريضية بالليرة اللبنانية، خصوصاً أن هذه الرواتب ليست مرتفعة او تعجيزية، ولا يمكن أن تكون المستشفيات التي كانت تتغنى العام الماضي بتحديث منشآتها ومعداتها قد وصلت في عام واحد الى وضع لا تعود قادرة فيه على تأمين رواتب ممرضيها. صحيح أن الحكومة قد دفعت للمستشفيات بعضاً من مستحقاتها لكن المبالغ غير كافية ولا بد أن تكون هناك آلية واضحة للتسديد على أن تتضمن بنداً صريحاً بإعادة كل الممرضين المصروفين وتأمين رواتبهم”.

 

إضراب ومطالب وحلول

 

للمرة الأولى في تاريخ التمريض في لبنان تنطلق نقابة الممرضات والممرضين اليوم بإضراب تحذيري تحت عنوان “لا عناية تمريضية” بعد ان استنفدت كل سبل التفاوض وحذرت من الوصول الى المجهول، مع الإبقاء على عدد قليل من الممرضات في المستشفيات لمراعاة الحالات الضرورية وذلك لوضع المسؤولين على اختلافهم في صورة الوضع الصحي إذا ما توقف الممرضون عن العمل.

 

أما المطالب فتتلخص بالنقاط التالية:

 

– إعطاء الممرضين حقوقهم ورواتبهم كاملة.

 

– الامتناع كلياً عن إعطائهم إجازات غير مدفوعة.

 

– منع الصرف التعسفي.

 

– الحرص على سلامة الرعاية التمريضية وعدم زيادة عدد المرضى لكل ممرض.

 

– الحفاظ على سلامتهم الشخصية من خلال تأمين كافة سبل الوقاية لهم لا سيما من فيروس كوفيد- 19.

 

– عدم إلغاء الحوافز.

 

– العودة الى نسبة ممرض لكل 8 مرضى لا اكثر. الحل طرحه نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون ويقضي بالتوجه الى البنك الدولي لطلب قرض يخصص للصحة يوضع في مصرف لبنان، تعطى قروض منه للمستشفيات مع فترة سماح للتسديد تمتد على ثلاث سنوات على أن يسدد بالعملة اللبنانية.

 

تخبرنا إحدى الممرضات التي رفضت أن تذكر اسمها احتراماً (أو ربما خشية) لإدارة مستشفاها أنها تأتي كل يوم صباحاً الى عملها ورأسها مثقل بالهموم، منذ شهرين لم تقبض راتبها ورغم ذلك تستمر بتأدية واجباتها حتى لا تخسر وظيفتها وتقول: “علي الاهتمام بأرواح المرضى بين يدي وروحي تنزف وجعاً على حالي وحال عائلتي، وتتأرجح مشاعري بين الغضب على إدارة لم تنصفني او تقف الى جانبي في هذه الأوقات العصيبة، وبين تفهم للوضع الصعب الذي تعانيه الإدارة في تأمين المردود المالي للمستشفى، وتفهم لوضع المرضى الذين ما عادوا قادرين على تحمل مستلزمات علاجهم. أمس شهدت على حالة قطّعت قلبي حين دخل مريض يعاني من مشاكل قلبية تضطره الى وضع “راسور”، لكنه فضل مغادرة المستشفى والمخاطرة بحياته لعدم قدرته على تحمل كلفته. هذه الحالات تجعلني أعض على جرحي لأن الناس كلها متعبة، محتاجة ويائسة”.

 

ماري- كلير مهاوج ممرضة مجازة صاحبة خبرة طويلة تعمل في مستشفى جامعي كبير، والمشاكل التي تعاني منها لوجستية أكثر منها مادية وتقول: المشكلة التي تعترض أداءنا لواجباتنا تكمن في وجوب الاقتصاد في استخدام وسائل الحماية خوفاً من نقصانها، وانخفاض عدد الممرضين في بعض الأقسام، ما يلقي ضغوطاً أكبر على الفريق العامل، إضافة الى عدم إعطاء حوافز للعاملين في اقسام الكورونا او تخصيص مكان خاص لسكن الممرضين والممرضات يحفظ سلامة عائلاتهم”. تضيف: “الممرضة هي وجه المستشفى وواجهته وهي من تتلقى بصدرها كل تداعيات المرحلة، لكن يبقى الأكثر إزعاجاً الصورة النمطية التي لا تزال مرتسمة في عقلية الناس عن الممرضة وكأن دورها محصور في تلقي الأوامر من الطبيب، في حين أنها هي من تتفاعل مع المريض وتشعر معه وأنها باتت اليوم قادرة على الوصول الى أعلى المراتب التمريضية. فالمشكلة ليست مشكلة حقوق فحسب بل عقلية نمطية قديمة، لكن لحسن الحظ ان النقابة تقوم بكل ما يلزم لتقديم افضل صورة عن الممرضات والوقوف الى جانبهن وتحسين أوضاعهن”.

 

يبقى أن ملائكة الرحمة وجنود الصحة يحتاجون اليوم الى من يقف الى جانبهم ويؤمن لهم الدعم الكافي للفوز بالحرب.

 

بالأرقام

 

– بين 25 و 40% من ممرضي لبنان وممرضاته صاروا إما خارج عملهم او يعملون بنصف او ربع راتب.

 

– عالمياً يخصص ممرّض واحد لكل 4 مرضى. في لبنان كانت النسبة ممرضاً واحداً لكل 8 مرضى واليوم وصلت الى 20 حتى 22 مريضاً لكل ممرض.

 

– حوالى 90% من الممرضين المنتسبين الى النقابة وعددهم 16356 يعملون في المستشفيات والمراكز الطبية في حين يعمل 1.65% في المدارس والحضانات.

 

– %4.29 يعملون في الخارج فيما تبلغ نسبة غير العاملين بسبب البطالة او التقاعد نسبة 12.17%

 

– 35 هو عدد ساعات العمل في المستشفيات الحكومية اسبوعياً بينما يرتفع الى 40 او 42 في المستشفيات الخاصة.

 

– يدخل 7000 مريض في يوم عادي الى مستشفيات لبنان.