IMLebanon

أيها العونيون: أنتم تدمّرون الهيكل فوق رؤوسكم

هناك من فقدوا عقولهم بالكامل؛ ما يقوله ويفعله رئيس حزب التيار الوطني الحر جبران باسيل وردود الفعل على أدائه على مواقع التواصل الاجتماعي توحي بفقدان كثيرين عقولهم بالكامل. ويتمظهر الجنون بأبهى أشكاله في ضحكهم الصاخب على وقع اهتزاز الهيكل بهم. إنها مهزلة وقد آن لها أن تتوقف

فهم الأزمة العونية يتطلب تخيّل هيكل محاط بأربعة جدران دفاع:

الجدار الأول هم المعادون، لأسباب مختلفة، لتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وحركة أمل، وهؤلاء باتوا يرون في التيار مجرد شريك في السلطة لا مقاتلاً من أجل التغيير والإصلاح.

الجدار الثاني فيه إعلاميون ومثقفون وناشطون سياسيون واجتماعيون وبيئيون واقتصاديون كانوا «يقتلون أنفسهم» لنشر مواقف الجنرال في «النهار» و»السفير» و»الأنوار» و»إل بي سي» و»الحرة» و»إم تي في» و»صوت الشعب»، لكن الرابية أهملتهم وأهانتهم وخرج من هذه الدار من يعيّر هؤلاء بمهنيتهم ويشتمهم، مع أن هؤلاء تعرضوا لأضخم عملية ترغيب وترهيب خلال وجود الجنرال في الخارج، وظلوا أقوى من الرشوة التي يتهمهم بها بعض الحثالة العونية اليوم. لا الجنرال يحضن هؤلاء، ولم يعد التيار يعترف بـ»صديق» في الوسط الإعلامي خارج دائرة المعتاشين منه، وهو يجرح يومياً صحافياً على الأقل كان يعتبر نفسه عونياً.

الجدار الثالث تألف من ضباط وعسكريين لم يهجر الجنرال قلوبهم إلا منذ بضع سنوات، وفقط حين انشغلت عنهم الرابية بضابط واحد، علماً بأن فلاناً وعلاناً ممن تتهمهم أوساط التيار ببيع أنفسهم للشيطان، كان يمكن أن يبيعوا أنفسهم قبل عشر سنوات ويقبضوا ثمناً أكبر بكثير.

وهكذا خسر التيار حين تقاعد العميد شامل روكز نفوذه في ما كان يصفه بقلعته الأمينة. ولا شكّ في هذا السياق أن استقالة العميد عبد النور من التيار ليست تفصيلاً، وحركته المتعاظمة في أوساط العسكريين المتقاعدين تفتك بعصب أساسي في التيار.

أما الجدار الرابع فقد ارتفع بعد عام 2005 وضم حزب الطاشناق والحزب القومي والمردة وطلال أرسلان والكتلة الشعبية ومسعود الأشقر وقدامى الأحرار وقدامى «القوات» وأطباء ومهندسين ونقابيين أصدقاء للتيار ونافذين في المناطق. لكن الذي حصل أنه خلال السنوات الاخيرة، أُبعد هؤلاء عن الجسم، وعن مسار التيار.

صحيح أن قيادات هذه الأحزاب يمكن أن تقرر التحالف مع التيار في استحقاقات كثيرة، لكن حماسة جماهيرها للعماد عون لم تعد اليوم هي نفسها أبداً حماستهم قبل عشر سنوات.

يبقى العماد عون حجر الزاوية الصلب في التيار، وواسطة عقده، وأساسه وأعمدته. لكن حجر الزاوية وواسطة العقد والأساس والاعمدة، لا تكفي، وحدها، لتشييد منزل؛ هناك مئات الحجارة الملونة المختلفة الأشكال والأحجام والأوزان التي أعطت التيار الوطني الحر شكله، ومنذ عام 2005 وفدت حجارة إضافية سمحت للهيكل العوني بأن يتألف من طابقين بدل الطابق الواحد. إلا أن الوزير باسيل حسم منذ مدة قراره بفصل الناشطين غير المهادنين الذين يمكن أن يوجعوا رأسه بعد عمر الجنرال الطويل، وكان المقرّبون منه يتحدثون عن مجموعة صغيرة في الأشرفية ونحو عشرين شاباً وصبية يمضون غالبية وقتهم في الانتقاد العشوائي على صفحات التواصل الاجتماعي. وكان باسيل يعتقد أن المقرّبين منه استفادوا من رئاسته للحزب حتى يثبتوا وجودهم في جميع الأقضية، فتوقع أن يضرب القيادي زياد عبس ضربة تنخلع لها قلوب الجميع. إلا أن اندفاعة نعيم عون غير المتوقعة لحماية ظهر عبس دحرجت الحجر، وتوسعت رقعة الاحتجاج العلنيّ من الأشرفية إلى جميع الأقضية الأخرى، في وقت بدا المحسوبون على باسيل أضعف بكثير مما كانوا عليه حين خسروا قبل بضعة أشهر.

وجاء استحقاق الانتخابات التمهيدية، مساء الأحد الماضي، ليثبت لباسيل أن لا أمل البتة، لا اليوم ولا غداً أو بعده، بمن يُعوِّل عليهم. فالكلمة العونية كانت وستبقى في بعبدا للنائب آلان عون والناشط فؤاد شهاب، سواء أبقاهما في التيار أو فصلهما؛ اسألوا الأشرفية. وفي جبيل لا مجال للمزحات السمجة مع النائب سيمون أبي رميا. وفي المتن لا يزال أصدقاء الوزير بعيدين جداً عن القول إن لهم وزناً عونياً. وما كاد يطرق باب زياد أسود في جزين حتى أفسح أسود المجال أمام عونيّي القضاء ليسمعوه الرد المناسب، وذهب النائب العونيّ أبعد مما فعل كل من نعيم عون وزياد عبس حين دعا من يريد تحويل التيار إلى ناد لرجال الأعمال إلى «دق رأسه بالحيط»، علماً بأن باسيل كان يعتقد أن إجراء الانتخابات في هذا التوقيت لن يتيح للنواب حل مشاكلهم العالقة في القرى منذ الانتخابات البلدية، ما يضعفهم أكثر. إلا أن الخطة الباسيلية أجهضت بالكامل، ولم يثبت باسيل نفوذه الحزبي في أكثر من قضاءين أو ثلاثة. لكن لا باسيل تراجع خطوة إلى الوراء ولا المعارضون المفترضون اعتبروا أنهم أثبتوا أنفسهم ويمكنهم تليين الوضع قليلاً. وبدا واضحاً أمس أن الأزمة ستتجاوز كل الخطوط الحمراء.

عندما كانت المشكلة محصورة بنعيم عون وسيمون أبي رميا وزياد أسود وزياد عبس وأنطوان نصرالله، وعشرين أو ثلاثين اسماً إضافياً، كان يمكن حلها، إلا أن الأمر تجاوز هؤلاء، واندفع المئات من الأشرفية وبعبدا وجزين وزحلة صوب مواقع التواصل الاجتماعي، علماً بأن من يحبون الأرقام ويقيسون الناشطين بأحجامهم عليهم أن يعرفوا أن الناشط الشاب المنتفض ليس مجرد ناشط، بل هو محرك لعشرة غيره أو عشرين أو مئة.

هكذا بدا مشهد العونيين المشغولين بأنفسهم عن خصومهم الحقيقيين مرعباً للغاية أمس. نشطاء يتوعدون نشطاء. انتقادات بعضها محق والبعض غير محق. شتائم وتهديد ووعيد. ارتباك الوزير باسيل في مقابلته التلفزيونية الأخيرة حين فتح الملف الداخليّ، تحول وجوماً في مؤتمره الصحافيّ، فيما اضطرت الرابية إلى إصدار البيان تلو الآخر. والخطير في ما يحصل أن تغطية الرابية لباسيل لم تعد تجديه نفعاً، بل تؤدي إلى كسر الناشطين الغاضبين الحانقين للمحظور وتدفعهم إلى قول ما لا يريدون التصديق بعد ساعات قليلة أنهم قالوه فعلاً.

باسيل كان لافتاً في خطابه الأخير. لمس الجميع استعلاءه. بدا تلميذاً من مدرسة دوري شمعون الحزبية لا مدرسة العماد عون. لكن لا يجوز، رغم تجربة السنوات العشر الماضية المخيّبة للآمال، قطع الأمل. المحبّون للتيار يفترض أن يدفعوا باتجاه تراجع باسيل خطوة إلى الوراء وتراجع معارضيه خطوة أيضاً. لم يعد الأمر يتعلق بالسباق الديمقراطي أو هيبة الحزب أو النظام الداخليّ أو غيره. بات الأمر يتعلق بوجود الحزب. يفترض بكل من يلتقي باسيل أن يقول له إن حزبه سيبقى حبراً على ورق من دون هؤلاء الناشطين. ولو كان يرجى خيراً من رجال الأعمال لسبقه إلى الزعامة كثيرون. ويفترض بكل من يرى ناشطاً حزبياً يصرخ هنا وهناك أن يقنعه بالهدوء قليلاً، لاستحالة إسقاط باسيل أو استبعاده أو استبداله. ولعل الحظ يلعب دوره فتصادف ذكرى 7 آب بعد بضعة أيام فقط، ما يفسح المجال أمام باسيل للتصرف كرئيس حزب لا كأردوغان آخر، فيبادر مكتبه إلى الاتصال بجميع الناشطين العونيين ـــ من دون استثناء عبس أو نعيم أو نصرالله أو غيرهم ـــ لدعوتهم إلى لقاء جامع شبيه بلقاء إيجابيّ نظمه قبل أربع سنوات ليصل من موقعه المسؤول ما انقطع بين أبناء البيت الواحد، معيداً للتيار لحمته وغيرته بعضه على بعض. فالهيكل فقد جدران الدفاع عنه، ويمكن الهزة الحالية أن تطيحه جدياً وتطيح مستقبل باسيل وسائر النواب والناشطين ما لم يتداركوا جميعاً الأمر.