يا سيّدي
في جمعة آلامك العظيمة أسجد تحت قدميك الطاهرتين، أمام صليبك الظافر، أمرّغ جبيني بقطرات دمك الطاهر وأذرف دموع الحب والندامة، وأطلب الغفران لي ولعيلتي، وللبشرية جمعاء. فأنت جئت، من عليائك السماوية، الى هذه الدنيا كي تمسح خطايانا بأغلى الأثمان.
أيُّها المصلوب
أنا حزين، يشتد حزني المتواضع على «وحدتك» عشيّة الجريمة الأكثر بشاعة في تاريخ البشرية، في بستان الزيتون: «نفسي حزينة حتى الموت… يا أبتاه أجزْ عني هذه الكأس (…) لتكن مشيئتك».
أنا حزين، وأستمد، يا إلهي، القوة من قوتك العظيمة، فأنت تستسلم الى أوغاد الزمان… يهينونك، يصفعونك، يلهبون جسدك المقدّس بالسياط، يكلّلون رأسك بالشوك، يحمّلونك خشبة العار التي ستصبح صليب المجد. وأنت القادر على إبادتهم بكلمة واحدة.
أنا حزين، يا معلّمي، لحزن والدتك، سيدتي مريم العذراء، وهي ترافق مسيرتك على طريق الجلجلة، فيتمزق قلبها على ما يحلّ بوحيدها الذي جاء لينقذ البشرية جمعاء، علامة سلام وأمان، وعفة وطهر، وتضحية ووفاء، وسمو وارتقاء، ورابط بين الأرض والسماء.
أنا حزين يا ملك الملوك، لما في هذه الدنيا من بشاعات وأهوال، وظلم وقساوة، وارتكابات ودناءات، وحقد وبغضاء، ومآثم وجرائم، وتجبّر وطغيان (…) وأنت جئت لتمسح تلك كلها بدمك الطهور. ولكن عَبَدَة المال، وعَبَدَة الأنانية، وعَبَدَة الشيطان ما زالوا ها هنا عن الحقيقة يعمهون، وعن العدالة يميلون، وعن الصراط المستقيم يشردون.
أنا حزين لأنه لايزال في هذه الدنيا من لا يعرفك.
ولا يزال في هذه الدنيا من يرفض أن يتعرّف إليك.
ولا يزال في هذه الدنيا من لا يعرف أن بمقداره أن ينقل الجبل من مكانه لو كان لديه إيمان بمقدار حبّة الخردل.
ربي وإلهي.
… ولكنني فرح لأنني عرفتك، ها أنا يغمرني الفرح لأنّك «اشتريتني» بدمك. وها أنا تغمرني السعادة لأنني أنتمي الى تعاليمك وأنت دعوتني لأن أحب من يبغضني وأبارك من يلعنني، لأنّ لا فضل لي إن أحببت من يحبني وباركت من يباركني… وأنت طلبت الغفران لقاتليك.
ها أنا الخاطىء الذي يحوطني الإثم، أؤمن بك وبتعاليمك وأكفر بالشيطان الرجيم، فأراني على موعد معك، في حماك، وفي رضى العذراء البتول، حيث السعادة الأبدية، وحيث أعدّ اللّه للصالحين «ما لم تَرَهْ عينٌ وما لم تسمع به إذن».
ها أنا في بهجة العيد لأنك إنتصرت بصليبك الظافر على الخطيئة، و«وطأت الموت بالموت»، وخرجت من القبر لتُعِدّنا الى القيامة المجيدة من هذه الدنيا الفانية الى الحياة الأبدية.
المجد لك… المجد لك… المجد لك يا اللّه.