IMLebanon

ما هكذا تورد الإبل يا جبران!

 

عجباً أمر معالي الوزير جبران باسيل الذي بدأ صبره ينفد لتأخر الرئيس سعد الحريري في تأليف الحكومة بعد مرور شهرين فقط على تكليفه بتأليفها، وتناسى معالي الوزير السوبر أنّ الرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام بقي كل منهما أضعاف هذه المدة عاجزاً عن تأليف حكومته لاصطدامه بإصرار الملك على توزير حامل أختامه وإعطائه الحقيبة الدسمة التي يريدها.

واليوم، لم تعد المشكلة في طلبات باسيل الشخصية، بل في تعدّيه على صلاحيات الرئيس المكلف ودخوله على خط التأليف فارضاً شروطه في تحديد الحصص وتوزيع الحقائب وتسمية الوزراء من هذه الطائفة أو تلك، مستنداّ في ذلك إلى كتلته النيابية الكبيرة ودعم غير محدود من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

والكل يدرك أنّ هدف باسيل هو رئاسة الجمهورية المقبلة، واضعاً نصب عينيه احتمال عدم إكمال عون مدة ولايته إما لظروف طبيعية، أطال الله في عمره، أو لاستقالته قبل انتهاء المدة بأشهر قليلة فاسحاً المجال لمجلس النواب الحالي انتخاب صهره.

ويخوض باسيل معركة الرئاسة بصلابة ضد المرشحين المحتملين رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع والزعيم الزغرتاوي الوزير السابق سليمان فرنجية، محاولاً تحجيم دورهما الوطني والسياسي من أجل خفض حظوظ كل منهما في الرئاسة. فهو يرفض إعطاء جعجع وحزب «القوات اللبنانية» حصة في السلطة التنفيذية تتناسب مع قوتهما في الساحة المسيحية التي أظهرتها الانتخابات النيابية الأخيرة، خوفاً من استثمارها في التحضير لمعركة الرئاسة الأولى.

ولن تكون معركة باسيل سهلة مع فرنجية الذي يحظى بعلاقات جيدة مع رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي عاد ليلعب دوراً فاعلاً في الساحة اللبنانية، والأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وقوى سياسية أخرى. ويعمل باسيل على فك ارتباط فرنجية بنصر الله، من خلال تقرّبه أكثر من الأخير والوقوف إلى جانبه ودعم سلاحه وأهدافه الإقليمية. أما مطالبته بإعادة تطبيع العلاقات اللبنانية مع النظام السوري، ضارباً بعرض الحائط قرارات جامعة الدول العربية وسياسة النأي بالنفس التي تبنتها الحكومة، فهي رسالة ذات مغزى إلى دمشق وخطوة في اتجاه تعزيز موقعه لديها .

ويستغل باسيل كتلته النيابية الكبيرة الممثلة لأكثرية مسيحية وازنة ليثبت للداخل والخارج أنه الزعيم المسيحي الأبرز والأقوى في طائفته، وأنّ رئاسة الجمهورية المقبلة هي حق طبيعي له. وهو يتبع بذلك المنوال ذاته الذي سار عليه من قبل عمّه الرئيس عون.

أما إصراره على توزير الأمير طلال أرسلان فيعود إلى سعيه للاستحواذ على شريحة درزية مؤيدة له، ليقينه من وقوف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي يحوز على الغالبية النيابية والشعبية الدرزية ضده في الانتخابات الرئاسية، نتيجة العلاقات الشخصية المتوترة والتباعد في المواقف السياسية بينهما. كما يرفض رئيس الجمهورية إعطاء «الحزب التقدمي الاشتراكي» كامل الحصة الدرزية في الحكومة العتيدة، خوفاً من تعطيله الحكومة تحت عنوان الميثاقية، مستنداً في ذلك إلى مقدمة الدستور التي تنصّ على «لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».

يعتمد الحريري في تأليف الحكومة سياسة النفس الطويل وعدم افتعال مشكلات مع أيّ فريق سياسي، ويحاول إيجاد حلول لكل العقبات التي تعترض طريق التأليف. وعلى رغم انفتاحه على الجميع ومحاولته تدوير الزوايا فإنه يصطدم بتشبث الجميع بمطالبهم المحقة وغير المحقة، وبمحاولة رئيس الجمهورية الحصول مع فريقه السياسي على الثلث المعطل أو الضامن، كي يتحكم بتحديد مصير الحكومة وبأداء رئيسها ومصيره من خلال وضع استقالة فريقه سيفاً مصلتاً فوق رأسه.

يعود للحريري وحده وفق الدستور تشكيل الحكومة، في حين يقع على عون قبولها أو عدم قبولها ليس إلا .. ويتعدى عون حقه الدستوري بالموافقة على التشكيلة أو عدمها إلى تدخله المباشر في عملية التشكيل، فارضاً على الرئيس المكلف خريطة طريق لتشكيل حكومة تتناسب مع طموحاته في تعزيز موقع الرئاسة الأولى وإحكام السيطرة على الحكومة العتيدة، كي يظهر أمام طائفته بأنه الرئيس القوي الذي، وقد تؤدي تصرفات عون وباسيل الاستئثارية والإلغائية ووضعهما العراقيل أمام الحريري إلى إثارة الحساسيات والنعرات الطائفية، وصولاً إلى تهديد الاستقرار والوحدة الوطنية.

هل سقطت التسوية الرئاسية التي أتت بعون رئيساً للجمهورية وبالحريري رئيساً لمجلس الوزراء؟ تشير الوقائع إلى أنّ هذه التسوية بدأت تترنح وهي على وشك السقوط. والساعي إلى التخلص منها هو عون نفسه بعد أن استنفد مفاعيلها بانتخابه، وبعد أن حققت الانتخابات النيابية الأخيرة مكاسب لفريقه ولحلفائه اللبنانيين والإقليميين، بينما كانت نتائجها غير مريحة إطلاقاً لـ «تيار المستقبل».

ودفع الحريري غالياً من رصيده الشخصي ورصيد تياره السياسي ثمن مسايرته لعون، وتنازله عن بعض قناعاته من أجل مصلحة البلد، وموافقته على قانون انتخابات مجحف في حقّه وحقّ طائفته. ويهدف عون من وضع العراقيل في تشكيل الحكومة أمام الحريري إلى تحجيم دوره في التشكيل ولاحقاً في الحكومة، ووضعه أمام خيارين: إما القبول بما يفرضه هو عليه أو الاعتذار.

هناك كلام كثير عن بحث عون عن مخارج دستورية لسحب التكليف الذي أعطي للحريري في الاستشارات النيابية الملزمة، تمهيداً لتشكيل حكومة أكثرية ترأسها شخصية سنّية غير الحريري. ومن المعلوم أنّ الدستور لم يتطرق إلى هذه المسألة، فالتفويض النيابي للرئيس المكلف لا تسقطه أيّ من مواد الدستور .. إلا حجب الثقة عنه وعن حكومته، وطبعاً بعد تشكيلها. فهل هناك في جعبة عون ما يمكنه من القيام بذلك؟ وحتى انقشاع غيوم التأليف الملبدة وتأليف حكومة وحدة وطنية، فإنَّ الحريري ماضٍ في تصريف أعمال الحكومة المستقيلة، غير مبالٍ بما يحاك ضده من مؤامرات، وكان آخرها الحملة اللاوطنية لإلغاء المحكمة الخاصة بلبنان، التي تنظر في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.