تابعت بقلق شديد تقاطر الشخصيات اللبنانية الى دار الفتوى خلال الايام الماضية، من اجل لقاء صاحب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، ليعبّروا عن خوفهم وقلقهم وبحثهم عند سماحته عن السكينة والامان، ثم يغادرون بسلام بعد ان يأخذوا جرعة من الهواء الإعلامي الذي اصبح يدمنه الكبار والصغار تاركين صاحب السماحة امام تحديات عظام.
شاءت الاقدار في السنوات الاولى من العمر، ان اشاهد شباب مدينتي بعلبك يرفعون بهمّة وكبرياء سيارة بداخلها شيخ جميل وبشوش. وسمعتهم يقولون أنّه مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد، المحب لأهالي بعلبك الهرمل، وشاءت الأقدار ان التقي صاحب السماحة الشيخ حسن خالد يوم ذهبت مع الزملاء في جريدة المحرّر لتغطية قمّة عرمون التي حضرها الامام الصدر وشيخ العقل محمد ابو شقرا والرؤساء كرامي واليافي وسلام وكمال جنبلاط وأبو عمار والرئيس الحسيني. ذلك اليوم ادركت اهمية دار الفتوى في صناعة الاستقرار وتابعت سماحة المفتي الشهيد حتى الاستشهاد.
شاءت الاقدار ايضا ان التقي مفتي الجمهورية صاحب السماحة الشيخ رشيد قباني مع الزملاء أعضاء المجلس الشرعي لنواجه مع سماحته تحديات مرحلة ما بعد عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما تلاها من اغتيالات، الى احداث نهر البارد الى عكار والتعطيل والوثيقة الوطنية، الى احداث أيّار، الى الثوابت الوطنية الإسلامية والاجتماع الكبير وما حدث قبله وبعده من انقسام وتداعيات، والحديث يطول. والامانة تقتضي أن اكتب في يوم ما عن تلك التجربة الشديدة المرارة والغموض وانصاف من يستحق الانصاف.
شاءت الاقدار ايضا ان أشارك بانتخاب سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، وفي نفس اليوم الذي عاد به سعد الحريري الى لبنان بعد انقطاع دام سنوات. وخرجنا جميعا بعد الانتخاب الى بيت الوسط للمشاركة في الغداء الاحتفالي بانتخاب صاحب السماحة المفتي عبد اللطيف دريان، بعد تجربة قاسية بما لها وما عليها واجتماعات قاعة مسجد محمد الأمين بالقرب من اضرحة الشهداء واستشهاد وسام ومحمد شطح، واستذكار تحديات استهدافات دار الفتوى. وترافق انتخاب سماحته ايضا مع تحديات عبرا وعرسال وما ادراك ما عرسال ومليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان!
شاءت الاقدار في الايام الماضية ان تشهد دار الفتوى ما يشبه قمّة عرمون وما بعد اغتيال سماحة المفتي الشهيد حسن خالد والرئيس الشهيد رفيق الحريري. مع تقاطر كل القادة والأحزاب والتيارات والكتل والعائلات والوزراء والنواب الى دار الفتوى التي تواجه مرة اخرى القدر الصعب في تحمل المسؤوليات الوطنية. وشاءت الأقدار ان أشارك في الاجتماع الذي دعى اليه الصديق الوطني صلاح سلام مع العديد من الشخصيات الوازنة والحريصة على التشاور وتبادل الآراء حول ما آلت اليه الأمور في البلاد وعن الأوزار الثقيلة الملقاة على دار الافتاء.
وشاءت الاقدار ان أشهد في وطني لبنان كل تلك الاهوال على مدى سنوات طوال، وبعضها المفجع مع دار الافتاء المقام الوطني المؤثر والجليل. وشاءت الاقدار ايضا ان أكون قد تزاملت لسنوات مع صاحب السماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي يعرف بعمق العلاقة بين العدل والفضيلة والرحمة والسماحة، والتي جعلتنا نخاطبه ايام رئاسته للمحاكم الشرعية بصاحب الفضيلة وفي مقام مفتي الجمهورية اللبنانية بصاحب السماحة.
اما في هذا المقال الاخير أقول يا صاحب السماحة والفضيلة لا استطيع الا ان أقف الى جانبكم في محنتنا الوطنية الكبيرة وقلبي معكم وفي فمي ماء!