لفتني أمس في إطار متابعة النقل المباشر لـ”معارك” مجلس النواب تبادل التهم بالسرقة، يقول الأول: “انت حرامي وسارق كهرباء”. ويرد الثاني: “انت ومعلمك حراميّي”. لا تهمني الأسماء بقدر ما تثيرني التهمة بلا إثبات، بل الأهم بلا متابعة، إذ كيف يقبل الشعب اللبناني بأن يسمع نائباً يتهم زميله بالسرقة، ثم يراهما في اليوم التالي يتبادلان المدائح والقبل؟ حيال هذا الوضع ثمة احتمالان لا ثالث لهما، إما أن تكون التهمة باطلة وهي محض سياسية، وفيها مسّ بالكرامات وقدح وذم، وتنبغي محاسبة مروّجها، واما ان الصمت المطبق سببه الرغبة في عدم فضح اي امر يمكن ان يشكل حلقة في سلسلة قد ترتد على صاحبها وتفضح أموره وتجاوزاته وفساده. وعلى رغم اني ضد التعميم في توزيع التهم بالسرقة والفساد والافساد، الا ان فكرة تراودني باستمرار وفيها ان المسؤولين، على اختلاف انتمائهم، مسؤولون عن الفساد بطريقة غير مباشرة. فلم نشهد الى اليوم، على وزير افتضح امر سلفه، وكشف عن سوء ادارة وارتكابات بالوقائع والأرقام. كل وزير يعلن في خطاب التسلم انه سيسعى الى اصلاح الادارة وتوفير الخدمات العامة بأقل بيروقراطية ممكنة، وانه سيجتث الفساد في الادارات العامة، وقليلون يقدمون على خطوات جريئة في هذا المجال. وهكذا يصبح صمتهم اشبه بالتواطؤ الضمني على استمرار الفساد. ثم ان الأسئلة كثيرة عن الامكانات المالية لوزراء ونواب لم يعرف عنهم انهم ورثوا ثروات، أو انهم من اصحاب المؤسسات التجارية والصناعية الكبرى التي تدر عليهم مالاً وفيراً، ولم نرهم يوماً يصرّحون بأموالهم المنقولة وغير المنقولة لدى تسلمهم مهماتهم الا في استعراض لا تتم متابعته أو محاسبته لاحقاً.
إن محاربة الفساد تبدأ برأس الهرم، أي بالطبقة السياسية الحاكمة التي اذا ما طبّق عليها قانون الاثراء غير المشروع “من اين لك هذا؟”، أمكن انسحاب المحاسبة على كل المستويات.
في أيلول الماضي، أعلن وزير العدل أشرف ريفي أنه سيتقدم بمشروع قانون لتعديل قانون الاثراء غير المشروع، لضمان الشفافية الكاملة، بحيث يلزم كل من يتسلم زمام المسؤولية أن يكشف أمام الرأي العام، وخارج الظرف المختوم، ما لديه من أموال وممتلكات.
بدوره النائب حسن فضل الله طالب بأن “يكون هناك قانون ترفع فيه السرية المصرفية عن المسؤولين في البلد، ليعرف كل الناس ما هي حسابات وثروات الكثير من المسؤولين ومن أين أتت، وفي هذا المجال هناك قانون الإثراء غير المشروع، فلماذا لا يطبّق؟”.
ريفي وفضل الله يمثلان كتلتين كبيرتين في المجلس والوطن، يضاف اليهما “تكتل التغيير والاصلاح” المنادي دوماً بالاصلاح، وكتل اخرى لن تتوانى في الأمر. يبقى السؤال ما، أو من، الذي يعوّق تطبيق “من اين لك هذا؟”، ليس الشعب بالتأكيد.