IMLebanon

يا خوفنا من اللجوء اللبناني

غداً الخميس أضحى جديد والأمّة عموماً من أقصاها إلى أقصاها عرباً وفُرساً وعجماً بيضاً وسُمراً وصُفْراً وسوداً في أكثر الأحوال سوءاً. فلا إستقرار كما هو المفهوم التقليدي للإستقرار ولا فاهم كما هو المطلوب حدوثه بين أبناء الدين الواحد وبالذات بعدما إقتحمت المذهبية والظلاميات على أنواعها الساحة وبدأت تمارس من أفعال الشر ما جعل الدين الذي هو دين الهداية عدّة أديان.

نقول ذلك على أساس أن المذهبية حوّلت نفسها إلى دين وبات هنالك لهذا «الدين» أمراء وأولياء ونخشى أن تتطور الأمور إلى درجة أن يقترف هؤلاء ذنْب الذنوب فيطبعون المصاحف بعد تغيير في كلمات، أو حتى يطرحون «مصحفهم» بديلاً لكتاب الله الذي أنزل آياته وبالعربية على النبي العربي (صلى الله علية وسلم).

ونحن عندما نستعرض ما هو حاصل في بلاد المسلمين من القطب إلى القطب نجد أن كل بلد يمكن أن يحل أزماته بالتفاهم وإبداء المرونة وإعتبار التنازلات عملاً صالحاً وواجباً إذا كان سيصون الوطن ويحمي مصالح الناس وييسر الأُمور على الجميع بدل تعسيرها.

ولكن الذي يحدث هو أن التشبث بالرأي يتقدم على المرونة ويتلفظ المعاندون بكلام أشبه بالحطب الذي يُرمى على الجمر بغرض إشتعال النار.

لكن كل أزمات دول الأمّة في كفة، وأزمتنا في لبنان في كفة وإلى درجة أن لبنان بات رمزاً للدول التي ينحرها بعض مصادري حقوق الناس في هذه الدول، مع ملاحظة أن المصادرة في لبنان مجيّرة لمصلحة الغريب الذي يطرح نفسه كصديق لهذا البلد.

ما نخشاه هو أن تتراكم حالات التأزم التي يعيشها اللبنانيون، ثم تتطور الأمور إلى إندلاع شرارة شبيهة بشرارة درعا التي تطورت نتيجة أن النظام البشَّاري عالجها بغير التروي وتحولت إلى إحتراب أهلي على أهبة دخوله سنة جديدة خصوصاً في ضوء الإقتحام غير العاقل وغير الودي من جانب الرئيس بوتين الذي أهدى نار الأزمة المشتعلة مزيداً من الحطب بدل أن يطفئ ما إستطاع من اللهب بنوايا حسنة والتفاهم مع سائر الدول على أن وقْف موجات لجوء السوريين إلى دول أوروبا يكون بطرح صيغة حل لا يتشاطر فيها المتشاطرون. ولا نظن أن إرسال «المارينز» الروسي إلى سوريا وتزويد النظام بالسلاح والذخيرة والطائرات هو عمل جيد وأنه من باب الغيرة على سوريا، وإنما بهذا الفِعْل، إستهداف لأغراض في نفس بوتين الأمًّارة كما الحليف الإيراني بوضع اليد على سوريا قبل أن تتطور الأمور إلى ما لا يعود بالخير على هذيْن الحليفيْن.

ولا ندري لماذا لا يأخذ عتاة العناد من رموز العمل السياسي الحزبي والحركي والتياري في لبنان في الإعتبار أن تَعامُلهم مع الأزمات المتراكمة في البلد ربما ينتهي إلى ما إنتهت إليه الأحوال في سوريا وعند ذلك فإن الهجرة المتواصلة للبنانيين بنسبة بسيطة وعبْر رحلات بالطائرات ولا مخاطر فيها، قد تتحول إلى تكرار هجرة السبعينات عندما باتت الموانئ غير الشرعية المسيطرة عليها الميليشيات ومطار دمشق السالكة الطريق إليه هي السبيل للهجرة. وفي تلك السنوات الثلاث وما تلاها على مراحل  «ازدهرت» فيها الهجرة ذاق اللبنانيون كأس العذاب والإهانة وكان يمكن أن يفرغ لبنان من نصف سكانه كما حال سوريا الآن لولا إستدراك الأمر من خلال مؤتمر الطائف الذي ثبًّت فيه الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله دعائم الشرعية على نحو ما يثبّتُ المثبِّت نفسه، أي المملكة العربية السعودية التي رأى الملك سلمان بن عبد العزيز أن تثبيت الشرعية يستوجب عملاً يردع المغامرة الإيرانية في اليمن من خلال الحلف الذي يثير الإستغراب بين الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح والشبيه في لبنان بحلف «حزب الله» مع الجنرال ميشال عون الذي أورث يوم الأحد الماضي رئاسة تياره إلى صهره الذي يلوّح وقد بات الزعيم الجديد للعونيين بإقتحام قصر بعبدا كـ«بروفة» تسبق تربُّعه على كرسي الرئاسة التي لن يذوق متعة الجلوس عليها عمه الجنرال، رغم أن الحاج محمد رعد يرى «أننا سننتظر ألف عام لنأتي برئيس قوي في شعبه وبيئته مثل الجنرال عون…»

وما نريد قوله إنه إذا تطورت الأمور لا سمح الله إلى ما نشير إليه وتكررت حالة لجوء المئات من اللبنانيين إلى بلاد الله الواسعة، فإنه في هذه الحال لن يبقى في لبنان سوى بعض اللبنانيين ومعظمهم اللاجئين إليه من فلسطينيين سابقاً وسوريين منذ السنة الأولى لحرب النظام عليهم، مع ملاحظة أن اللبنانيين المهاجرين لن يجدوا أبواب الدول الأوروبية مشرًّعة أمامهم كما في الماضي، خصوصاً أن هذه الدول مارست بعض المشاعر والإنسانية» في الأيام الأولى إزاء اللاجئيين السوريين ثم تحوًّلت الأمور إلى أزمة أوجبت عقْد قمة الأمر الذي يعني أن «السوري التائه» سيرث صفة «اليهودي التائه» ويؤسس لا قدًّر الله لـ «اللبناني التائه».

عسى ولعل لا تكون هذه الخشية ستتحقق ونقضي الأضحى بعد عام وقد تحسنت الحال وتاب المعاندون، وبذلك لا لجوء ولا مَن يلجأون بعدما يكون إنتهى عناد المعاند في سوريا وبدأت رحلة العودة إلى الديار المدمَّرة والمنهوبة. وبعد ذلك يكون الحساب وفق إرادة رب العالمين.