سياسة
يقف اللبنانيون مشدوهين أمام من انتخبوهم وهم يقوّضون ما بقي من البلاد. محاضرات العفة تملأ الأرجاء. لم يبقَ من القتلة واحد إلا وقدّم لنا على مدى أربعة عقود شهادات في حسن تخريب كل شيء. العائلة والقبيلة والطائفة والدولة. وها هم اليوم، يرقصون على جثث ضحاياهم، ويبتسمون لعائلاتهم ويعدون الجميع بموت أفضل. لكن الجمهور لا يبدو أنه ملّ منهم ومن ألاعيبهم، ولذلك، سيكون على الناس الاستعداد لموجة موت جديدة، وهذه المرة الخيارات ستكون واسعة: بالرصاص أو الذبح لمن يرغب، بالمرض والسموم لهواة الصنف، وبالاكتئاب والسأم لمن بقي صامداً. أما الهجرة، فلا يبدو أنها علّمت الناس شيئاً. لأن الانقسامات القائمة خارج البحار لا تقلّ قساوة عمّا هو موجود هنا. والفارق، أنّ شرور اللبنانيين في الخارج يجري التعامل معها بقسوة من قبل مجتمعات لا تعترف بأمراض هذا الشعب المجنون الذي يسميه البعض «الشعبَ الجبّار والخلّاق والعظيم»!
ولأنّ الجميع يرفض فكرة المؤامرة، لا يمكن الحديث عن تلاعب بالمسرح اللبناني. في لبنان، لا يزال من يقول بحروب الآخرين على أرضنا. وفي لبنان، لا يزال من يقول إنها شرارات الإقليم التي تصيب جسدنا. وفي لبنان أيضاً، من يعتقد أنّ العالم ينام ويعيش على أخبار هذه القبيلة اللبنانية، ويتسلى بها، ولذلك لا يريد لها الفناء. ولذلك، من الجنون توهُّم تغييرات جدية على المشهد القائم. حتى ولو قتل الآلاف يومياً، لأنّ الزعران الذين يتحكمون بالبلاد، يعيشون اطمئناناً غير مسبوق. وهذا مهرّجهم الأول وليد جنبلاط يعطي المثال: سأقتل من أبناء جلدتي مَن أرغب، وسأرفع الصوت والسلاح بوجه الآخرين، وسيلحق بي أنصاري، لا أحد منهم يسألني ماذا أفعل، أو يلومني على شيء، وهم سيثقون بما أقوله. ولا ضير من أن يقول الخصوم كل ما يقولونه. لقد نجحت وربطت مصير هذه القبيلة بي، وبأفراد عائلتي، ولن يجرؤ أحد على معارضتي، وهاكم الدليل، ما يحصل الآن!
هذه حقيقة. قاسية جداً، لكنها حقيقة. وهذا الحال موجود عند الآخرين: هل يتوقع أحد أن يخسر حزب الله المقعد النيابي في صور؟ أو هل ينتظر أحد اعتذاراً شاملاً من حركة أمل وابتعاداً عن السلطة؟ أم هل تتصورون أنّ سمير جعجع سيترك مقعده لأحد قبل أن يقرر الله ما يريد؟ أم أن جبران باسيل سيترك أحداً يناقشه داخل التيار الوطني، قبل أن يجبر المسيحيين على استعادة شعور الخوف من الآخر، أي آخر لا يهم؟ أم هناك من يعتقد أن سعد الحريري سيخرج من القمقم ويعيد الأموال التي جمعها كل أركان تياره على مدى ربع قرن ولا يزالون؟ أم ستتوقعون أن يتبرع رياض سلامة وصحبه من كبار المصرفيين بفوائد ودائعهم لمعالجة ملف النفايات؟
نحن عنوان التفاهة الكاملة، حكومةً وشعباً ومؤسسات، زعامات وقيادات وجماهير
ماذا ينتظر الناس من هذه المجموعة التي لم تترك شيئاً إلا وقصدته بهدف الاستيلاء أو المصادرة أو الاستخدام؟ هل منكم من يعتقد أنّ المراجع الدينية التي نصبتها الزعامات السياسية هنا وهناك، سترفع الصوت دفاعاً عن وصايا الله؟ هل تسألون الكنيسة المارونية عن هذا العشق الإلهي لتملّك الأراضي ثم التوجه بعظات إلى الناس لئلا يتبادلوا أملاكهم مع غير المسيحيين؟ ومن تعثّر، سيجد الكنيسة وكل منتجاتها الرهبانية في الانتظار لتولي الأمر. أم يوجد بينكم من لا يعرف حال المجلس الشيعي الأعلى، الذي لم يبقَ منه شيء إلا يافطة، يقف تحتها رجال دين يريدون تقرير مصير العائلات باسم الإله الحكيم. وهل منكم من يعرف ماذا يفعل الدروز بأوقافهم، بينما يكاد يموت الناس في الجبل ووادي التيم جوعاً، وينتظرون يوم العطلة ليقصدوا هذا أو ذاك من الزعماء بحثاً عن صدقة آخر النهار؟ أم ترون في دار الفتوى معمل التفكير لمواجهة كل الأفكار النتنة التي نطقت باسم أهل السُّنة والجماعة، فكفّرت وسبَت وقتلت، ولم يخرج من الدار صوت يسأل عن أصل هذا الكلام؟ ثم ترى هذا الجمع من العمامات يقفز إن تعرض مسؤول سياسي لنقد من صحافي أو سياسي آخر؟
ماذا ينتظر الناس بعد؟
هل لأحد فيكم أن يجيبنا ماذا فعلت كل هذه المنظمات غير الحكومية، غير إيواء أفراد باسم الكفاءة ثم تعطيلهم وتحويلهم أدوات لا تنتج غير بيانات وشعارات، ولم يحصل قَطّ، على الإطلاق، إن حظي الناس بمشروع واحد منهم؟ ثم من منكم يسأل عن جيوش المنظمات الدولية المنتشرة في الوزارات والمؤسسات العامة، تغرقنا بالاستشارات التافهة ثم يقبض جنودها من جيوبنا الأموال المكدسة؟ وما بال الناس في حالة دهشة عندما يتجول دبلوماسي غربي، من أقذر خلق الله، موزعاً علينا نصائحه حول الإصلاح والقانون وحقوق الإنسان، بينما لا تترك طائراتهم وجواسيسهم مكاناً هادئاً في العالم؟ هل تصدّقون فعلاً، أنه يمكن العثور على خير في أميركا أو فرنسا أو بريطانيا؟ أم تراكم تتطلعون إلى الثورات العالمية الصادرة من آبار النفط والغاز في السعودية والإمارات والكويت وقطر، أم تصلّون الليل والنهار علّ مصر تستفيق من غفوتها لساعات… هاكم المنظر الجميل من حولكم: فلسطين لم يبقَ منها شيء، والدمار أتى على سوريا والعراق واليمن وليبيا، والأردن يعيش على حافة القبر، بينما يغلي المغرب العربي في انتظار انفجار عسى أن يتأخر.
أيها اللبنانيون، نحن عنوان التفاهة الكاملة. حكومةً وشعباً ومؤسسات. زعامات وقيادات وجماهير. نحن اللاشيء الذي لا يراه أحد بعين الغيرة أو الحسد. نحن لا نستحق الشفقة… تباً لنا!