IMLebanon

يا أيّها الذين ذهبوا

 

 

رأيتُ الناسَ قَدْ ذهبوا إلى مَنْ عنده ذهبُ

ثمانية عشر وزيراً، أيْ أكثر من ثلثي أعضاء الحكومة…

وثلاثة وسبعون نائباً، أي ما يعادل ثلاثة أرباع المجلس النيابي، قد ذهبوا… غادروا الأراضي اللبنانية لتمضية فترة الأعياد في المرابع الأوروبية، ترويحاً للنفس من مشقة العمل وسخيّ البذل في سبيل خدمة الشعب، وقد أرهقتهم مضاعفة الجهد بمضاعفة سنيّ الخدمة وتمديد الولايات.

للمرة الأولى يذهبون الى فخامة العواصم ليدفعوا، لا ليقبضوا، مع أنهم يدفعون ممّا قبضوا من بيت المال، والكفوف خفيفة والأنامل رشيقة، بفعل خبرة الإحتراف المهني وبراعة الممارسة.

هناك من غادروا الأراضي اللبنانية مسافرين، وهناك من تريّثوا منتظرين، وهم يعلّلون النفس بوجهة السفر المألوفة الى حيث آبار الصحارى، وان كان قد جفّ ماؤها وجفّ معه ماء الوجه بسبب كثرة الهدر.

لو أنَّ الذين غادروا – على ما حدَّدت مكاتب السفر – الى: باريس ولندن وسويسرا وإيطاليا وتايلاند، قد اعتمدوا طريقة إبن بطّوطة في الأسفار والتنقّل بين: مصر والشام وفلسطين والحجاز وبلاد العجم، لكان هؤلاء الرحّالة قد وقفوا على أحوال المنطقة بما لها من إرتدادات على واقع لبنان، ولكانوا كتبوا المشاهدات واقتبسوا الثقافات بما يغني مداركهم الشخصية ومعارفهم الثقافية في مواكبة شؤون الحكومة، ويعزز خبرتهم الخطابية الواهية عبر جلسات المجلس النيابي.

هؤلاء الذين هجَروا مسافرين أو تريّثوا منتظرين.

منهم، مَنْ هجَّر اللبنانيين في لبنان…

ومنهم مَنْ هجَّر لبنان الى الخارج…

ومنهم مَنْ هجَّر الخارج الى لبنان…

ومنهم مَنْ طعن ظهره بالخنجر…

ومنهم مَنْ حاربَ الآخرون بهم…

ومنهم مَنْ حارَبَنا بهم الآخرون…

ومنهم من أوقعوا لبنان في مهاوي التخلف الثقافي والحضاري والإقتصادي.

ومنهم من ازدهرت في عهدهم الجريمة ليتاجروا بتوسيع السجون…

ومنهم من رفعوا جبال النفايات بحجة اكتسائها بالثلج تعزيزاً للتزلج السياحي…

ومنهم من كان مشرّداً فاغتنى…

ومنهم من كان فقيراً فابتنى بأموال الفقراء واليتامى قصوراً يسرح فيها خصيان العبيد…

ولم يصدف أنْ لجأ أيُّ عهدٍ أو وليُّ عهد الى احتجاز أصحاب الثروات المشبوهة في فندق لاسترداد ما نهبوه.

هؤلاء، لن نفتقدهم، وقد يكون غيابهم عن الأراضي اللبنانية أفضل من وجودهم فيها، لقد ارتحنا من المهاترات وسخيف البيانات وحمّى الصراعات…

وارتحنا من المراوغة والصخب والجعجعة الفارغة وملاحم الكذب.

وارتحنا من مخادعة التحالفات وشتى أنواع الفساد والشبهات، مثلما ارتاحت معنا دائرة المناقصات وميزانية الخزينة.

لا.. لن نفتقدهم، ولن نأسف لفراقهم، ولن نشكو فراغاً ولا لوعة حنين، ولن نبكي على أطلالهم الدارسة.

بل جلَّ ما نتمنى أن يلتحق بهم الآخرون.