السيناريوهات التي أشار إليها السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد إزاء مستقبل الوضع السوري لم تحمل جديداً طنّاناً، ولم تخرج عن السياق التحليلي الذي يلهج به المعنيون (وغير المعنيين) منذ فترة، بما في ذلك، حديث التقسيم الجذّاب.. والخرافي!
لكن، لأنّ فورد كان معنياً كبيراً بتلك النكبة، ويعرف ما لا يعرفه غيره عن موقف الإدارة الأوبامية منها، فإنّ العرض الذي قدّمه يحتمل التأويل القائل إنّ فيه شيئاً من الموقف الرسمي الأميركي وليس متأتياً فقط من قراءة تحليلية خاصّة برجل قدير ويعرف ماذا يقول.
والمعضلة تكمن في هذا الافتراض تحديداً.. أي أنّ فورد ينطلق من مسلّمة تفيد أنّ إدارة مستر أوباما لا تزال حائرة إزاء مآل الوضع السوري! ولم تُرسِ مراكبها عند أي ميناء حتى الآن! وأنّها في العموم تبدو وكأنّها أوّل المتآمرين على دور بلادها ونفوذها ومصالحها في المنطقة بسبب الأداء الذي يوحي أنّ استراتيجيتها في سوريا محكومة بسياسة غيرها وبتطوُّر الأوضاع الميدانية، وليس بأي شيء آخر، حتى لو كان ذلك الشيء هو محاربة الإرهاب!
والحاصل، هو أنّ فورد مثله مثل كثيرين غيره في إدارة مستر أوباما، يقول بعجزه عن فهم ماهية اداء هذه الإدارة.. أبرز مَن سبقه إلى ذلك العجز كان وزير الدفاع المستقيل تشاك هيغل، وقبل الاثنين، لمّحت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون إلى شيء مماثل، بل نُقِلَ عنها القول مرّة إنّ «سياسة» الرئيس الأميركي هي التي أنتجت «داعش». أي أنّ الخلاصة العامّة المشتركة عند هؤلاء تصل إلى افتراض شيء كارثي في تلك السياسة، بغضّ النظر عن الكارثة الإنسانية اللاحقة بشعب سوريا.
وليس أدلّ على الكارثة، من غياب استراتيجية لدولة مثل الولايات المتحدة! وأن تكون الظواهر الوحيدة الواضحة في سياستها هي انتظار تطوّرات الميدان، وهذه متّصلة بما ستقرّره وترتئيه وتفعله إيران وروسيا! وبما إذا كانت فصائل المعارضة السورية ستتوحّد فعلياً أم لا! وما إذا كانت خريطة النزال والقتال ستقف فعلياً عند رسم حدود خطوط تماس لستة كيانات متناحرة، أبرزها «كيان» يحكمه «داعش»؟!
ما لم يقله روبرت فورد وقبله هيغل وكلينتون هو انّ الاستراتيجية الوحيدة لأوباما هي سحب إيران الى التخلي عن مشروعها النووي.. ومن أجل ذلك، لا بأس أن ينتعش الإرهاب «الداعشي» المفتعل، وغيره الفعلي! أو أن تدمّر سوريا أكثر فأكثر، أو أن يُنكب شعبها بتلك الطريقة، أو أن ينتقل الحريق من نقطة إلى نقطة في منطقة الشرق الأوسط برمّتها.. وانطلاقاً من ذلك، فإنّ ما لا يقوله هؤلاء إلاّ خفراً يقوله غيرهم جهراً: أسوأ ما أصاب المنطقة هو أوباما! وأسوأ ما سيصيب مصالح واشنطن فيها سيكون نتيجة لسياسته، خصوصاً، وخصوصاً جداً، أنّ المجال الدولي البدائلي مفتوح من موسكو إلى باريس وما بينهما!