لماذا أقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الانخراط العسكري المباشر في الحرب الأهلية – المذهبية -الإرهابية الدائرة في سوريا منذ سنوات؟ هل يطوّر مستقبلاً انخراطه هذا المقتصر على استعمال طيرانه الحربي لمساعدة الرئيس بشار الأسد، وعلى تدريب ما تبقى من جيشه والميليشيات “الفئوية” التي شكّلتها إيران ودرّبتها ومولّتها وسلّحتها، والتي تضم إلى السوريين لبنانيي “حزب الله” وعراقيين وأفغاناً وباكستانيين وغيرهم؟ هل يكون التطوير بإرسال فرق عسكرية روسية تضمّ آلاف الجنود وربما عشرات الآلاف لاحقاً أو أكثر؟ وهل يشمل التطوير مهمة القوات بحيث تصبح مساعدة الأسد على التخلّص من كل أعدائه، وعلى إعادة سيطرته على جغرافيتها كلها بعدما كانت واستناداً إلى تصريحاته (بوتين) ومواقفه المُبلَّغة إلى اوروبا وأميركا حمايته ونظامه في مناطق سيطرته الحالية؟
هذه الاسئلة تطرحها كثيراً هذه الأيام وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والإسلامية والعالمية، وتقدِّم أجوبة عنها نابعة حيناً من معلومات دقيقة، وحيناً من معلومات مجتزأة عمداً أو عفواً، وحيناً من تحليلات تنطلق من الواقع الراهن روسيّاً ودولياً وسوريّاً واسلامياً ومن التمنّيات والالتزامات السياسية والعقائدية. لكن رغم ذلك تبقى هناك حاجة إلى محاولة للبحث عن أجوبة اكثر دقّة لأن الناس في حاجة الى معرفة المزيد وخصوصاً الذين منهم “يأكلون العصي” في سوريا والعراق وغيرهما، والذين “يعدّونها” مع خوف عندهم أن يصبحوا من “آكليها” مثل الشعوب اللبنانية. علماً أن محاولة كهذه قد تنجح وقد تفشل جزئياً أو كلياً.
عن ماذا أسفرت هذه المحاولة؟
أسفرت استناداً إلى عارفين أميركيين وأوروبيين بروسيا ورئيسها وبأميركا ورئيسها وبسوريا ومنطقتها عن الآتي:
1 – صحيح ما يقوله أميركيون عن عدم اعتبار إدارتهم الانخراط العسكري الروسي المباشر في سوريا تهديداً لأميركا. وغير صحيح ما يقوله البعض عن توافق بين موسكو وواشنطن على هذا الانخراط. علماً أن الشك في معرفة الأخيرة بخطة الأولى وعدم الاعتراض عليها إلا بعد بدء تطبيقها قد يكون في محله.
2 – تُلخَّص دوافع بوتين الى الانخراط المباشر عسكرياً في سوريا بخمسة. أولها تأكده عبر معلومات موثوق بها، أن التنظيمات الإسلامية وغيرها المُقاتِلة والمدعومة من تركيا والسعودية وقطر كادت، بعد عملية عسكرية ناجحة في جسر الشغور (ادلب)، أن تصل الى طرطوس حيث القاعدة البحرية الروسية، لو اتخذ الداعمون قراراً بذلك. وهذا يعني انهياراً لنظام سوريا ولهيبتها وقضاء على دورها في الشرق الأوسط الذي استطاعت إحياءه في السنوات الأخيرة. هي التي لم يعد لها في العالم مناطق نفوذ كالتي كانت للاتحاد السوفياتي الذي ورثته. وثانيها رفض أميركا وفرنسا والمانيا وغيرها اقتراحات بوتين في الاسبوعين الماضيين. فهو كرر لزعمائها عدم تمسّكه بالأسد، لكنه طلب في مقابل تسهيل تنحيه رفع العقوبات المفروضة عليه جرّاء احتلاله شبه جزيرة القرم وتدخله المباشر مع روس اوكرانيا، وإطلاق يده لإقامة حكومة جديدة شكلاً تحافظ على جوهر النظام الأقلوي الحاكم. وثالث الدوافع الكراهية الفطرية أو التعارض الغريزي (Antipathy) بين أوباما وبوتين. ورابعها تمتع بوتين بعقل تكتيكي بارع وافتقاره إلى عقل استراتيجي. وخامسها الخوف من ثورة إسلاميي روسيا عليه وهم بالملايين.
3 – واكب الانخراط الروسي العسكري المباشر في سوريا إرسال إيران مزيداً من خبرائها إلى جيش الأسد وميليشياته. والهدف هو تنفيذ عملية عسكرية برية في منطقتي حمص وادلب بتغطية جوية روسية لحماية معقل الأسد وشعبه.
4 – يقتضي الحاق الهزيمة بـ”داعش” وامثاله مئة الف جندي برّي مدعومين بأسلحة الجو والصواريخ والمدفعية والدبابات والبحرية… ويحتاج تنظيف سوريا والعراق منها الى 18 شهراً. ولا تستطيع روسيا القيام بذلك وحدها أولاً بسبب كلفته المالية الباهظة، وروسيا في وضع اقتصادي صعب لاعتبارات كثيرة أبرزها انخفاض أسعار النفط. وثانياً لأن حرباً منفردة كهذه، تعترض عليها أميركا ويرفضها العرب وكل المسلمين السنة في العالم أو غالبيتهم، ستجعل الاسلاميين المقاتلين للأسد وإيران في سوريا والعراق بمئات الآلاف المُغرَّقين بالمال والسلاح. وستنتهي روسياً إلى افغانستان ثانية في وقت تتحاشى أميركا فيتناماً ثانية ولو تسبب ذلك بفقدانها بعض الهيبة في العالم. ذلك أنها تبقى القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية الأكبر فيه.