لا وجه للغرابة في أن يبعث الرئيس الأميركي باراك أوباما رسالة إلى الزعيم الإيراني السيد علي خامنئي يدعو فيها إلى التعاون بين الدولتين في مكافحة الإرهاب مقابل تسهيل الاتفاق على الملف النووي الإيراني. سبق للرئيس الأميركي أن تواصل مع الرئيس حسن روحاني، كما سبق لأميركا أن تعاونت مع إيران في أفغانستان والعراق وكان هذا التعاون مفيداً للطرفين. وكانت هناك دعوات علنية من وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع بدء التحضير للتحالف الدولي ضد الإرهاب لكي تتعاون إيران مع التحالف ضد هذا الخطر المشترك من دون أن يبلغ ذلك حد دعوتها للمشاركة في التحالف.
استخدمت أميركا الملف النووي الإيراني لمحاصرتها اقتصادياً وسياسياً والتهويل على المحيط، ولا سيما العرب، بدورها الإقليمي الصاعد. نجحت أميركا في استنزاف إيران، كما العرب، برغم الاندفاعة الإيرانية في بلدان عربية عدة وتعميق نفوذها من دون أن يتجاوز هذا النفوذ حدود فئات وجماعات معينة. إيران اليوم التي تملك نفوذاً كبيراً في العراق وسوريا ولبنان واليمن لا تستطيع استثمار هذا النفوذ إلا بالشراكة مع الآخرين.
وهي الآن، بعد قيام حركة «داعش» وانتشارها، ومع ردة فعل الإسلام السياسي السني بأشكال مختلفة، أمام سقف إقليمي لا تستطيع تخطيه. لقد صارت إيران كما باقي الدول في الإقليم بحاجة إلى الدور الأميركي والغربي حتى لا تقع في محظور الصراع المذهبي المباشر. فهي تعلن عن رفضها التدخل الدولي البري المباشر وتدعو إلى تفاهم بين الغرب ودول المنطقة لإيجاد حلول سياسية. وفي مواجهة إيران يقف الدور التركي لإحداث توازن لم تكن أميركا بعيدة عنه ولا هي قادرة على تنحيته جانباً مع امتداده العربي الخليجي. فلا تستطيع أميركا إعطاء دور مباشر لإيران ومنعه عن تركيا. لذا نجد إيران تتردد في الاستجابة للدعوة الأميركية وتعرف أن المخطط الأميركي والغربي يظل قاصراً عن معالجة تحديات الإرهاب من دون تفاهمات سياسية بين دول المنطقة تتعلق بمستقبل الدول والنظام الإقليمي المنشود.
سخر السيد الخامنئي من مخطط التحالف الغربي وحكم عليه بالفشل، ولا نعرف بماذا أجاب على رسالة الرئيس الأميركي أوباما إلا المزيد من الاندفاعة في اليمن لتوسيع نفوذه وقراره، إلا أن إيران بحاجة إلى إنهاء ملفها النووي والعقوبات وتجنّب حرب أسعار النفط، كما استنزاف الجبهات المفتوحة في أكثر من بلد وتلافي المفاجآت كالتي حصلت مع صعود «داعش» في العراق. وأوباما بحاجة إلى إنجاز بعد تراجع شعبيته وحزبه الديموقراطي الذي خسر الانتخابات النصفية للكونغرس، كما هو بحاجة إلى تقليص جبهة خصومه في المنطقة تسهيلاً لإدارة ملفاتها. المشكلة أن أميركا عكس ما يُقال عن انكفائها هي في اتجاه الانتشار حيث تدعو مصالحها إلى ذلك، وهي بعد التفاهم مع الروس على استبعاد المواجهة العسكرية في المنطقة فتحت ملف الأزمة الأوكرانية لروسيا وحاصرتها بالعقوبات الاقتصادية وكذلك بأسعار النفط والغاز. لذلك هي بحاجة إلى الانفتاح على إيران لاستدراجها إلى الدائرة التي تفيد محاصرة خصمها الأول روسيا.
الجرأة الأميركية على هذا الصعيد لا حدود لها، كما فعل الرئيس ريتشارد نيكسون في العلاقة مع الصين في العام 1972، وكما فعل الأميركيون في غير مكان، بخاصة مع مصر بعد حرب تشرين لكسب حلفاء روسيا.
لا تشكل إيران منافساً دولياً مهما بلغ نفوذها الإقليمي. أولوياتها اليوم هي الملف النووي والحفاظ على مواقعها التي بدأت تتعرّض لهجوم معاكس مع صعود «داعش» وأخواتها. ربما كانت المسألة السورية هي المسألة المعقدة بالنظر إلى الاختلال الديمغرافي وكذلك الدور التركي والدور الإسرائيلي والمصالح الروسية المباشرة. إيران باتت مقتنعة باستحالة الحل العسكري والحسم من قبل طرفي الصراع.
لكن حجم الملفات المتشعبة والمتداخلة والقوى الفاعلة وتراجع الإدارة «الديموقراطية» في أميركا كل ذلك لا يساعد على التعجيل بالحلول السياسية بل في إطالة أمد حرب المواقع. وفي هذا السياق يتزايد التعاون المصري الخليجي من أجل بناء توازن اختلّ مع انكفاء الدور الأميركي المباشر وتردد إدارة أوباما في التعامل مع الملفات الساخنة المتشعبة في المنطقة.