IMLebanon

أوباما وخامنئي وسياسة «غسل اليدين»

يتحدّث البعض عن الحاجة الى «معجزة» لكي تنجح جولة المفاوضات التي ستُستأنف اليوم بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، في التوصل الى إتفاق إطار، قبل نهاية الشهر حول ملف طهران النووي.

في المقابل، يرى آخرون أنّ الإتفاق حاصل لا محال، وانّ الطرفين استنفدا كلّ الحجج والسيناريوهات، ومارسا كلّ أنواع الضغوط بل وحتى «غسل اليدين»، من تبعات هذا الإتفاق وتداعياته، على ما حاول الإيحاء به على الأقل المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي، حين فصل بين المفاوضات النووية وملفات المنطقة وسط شعارات «الموت لأمريكا».

كان لافتاً قول عدد من المسؤولين الاميركيين إنّ الرئيس باراك أوباما يحتفظ لنفسه بكلمة السر وبتفاصيل الإتفاق، بعد إجباره وزير الخارجية جون كيري على التكتم الشديد على سير المفاوضات، وجهلهم بما يخطط له في لعبة عضّ الأصابع التي يمارسها مع خصومه في الكونغرس بمجلسيه.

تقديران متعاكسان يكتسبان شرعيتيهما من محاولة قراءة الأحداث والتصريحات الأخيرة حول ملف العلاقة مع طهران.

فإذا كان صحيحاً أنّ السياسة الخارجية الأميركية لا تصنعها ولا تعكسها تصريحاتُ مسؤولين خرجوا من دائرة القرار السياسي، سواء كانوا وزراء للخارجية او للدفاع، او مديرين سابقين لوكالة الإستخبارات المركزية، فكيف يمكن تفسير تصريحات مَن هم في موقع القرار ينتقدون فيها إيران، خصوصاً دورها في المنطقة؟

ولو كان الإتفاق «حاصلاً لا محال»، فلماذا هذا التصعيد ضدّ طهران والمصحوب بتقارير وبرامج حوارية تحفل بها كبريات الصحف ومحطات التلفزة الأميركية ضدّ دورها «المزعزع» للإستقرار في العراق؟

أوساط في البنتاغون لم تخفِ تخوّفها من دور إيران في العراق وإنزعاجها منه، فيما الصعوبات التي تواجهها في المعارك هناك توحي بأنها إنعكاس لتلك المخاوف.

وإذا كان قرارُ عدم التورّط مجدّداً في حروب المنطقة ودفع أثمان لا تُحتّمُها المصلحة القومية الأميركية حاسماً ولا عودة عنه، فما المشكلة في تورّط الآخرين في تلك الحروب واستنزافهم، بعد النجاح في تحييد الخطر النووي؟

تقول أوساط أميركية إنه «على رغم كلّ الإعتراضات، فلا أحد أقنع اوباما بتغيير أدائه او سياساته في هذا الملف، فيما هو يصرّ على تحقيق «إنجازه». وتتساءل: «هل هو غافل حقاً عما يقوم به، أم أنه يمارس لعبة غاية في الذكاء والمناورة، مقابل خصم عنيد معروف بأنه تاجر «سجاد» في بازار المنطقة»؟

وتجزم تلك الأوساط بأنّ ارتفاع منسوب النزعة الأمبراطورية لدى إيران من شأنه أن يكتّل الأعداء ضدها. فتركيا لن تسمح بإخراجها خالية الوفاض لا في العراق ولا في سوريا، والجميع يتحسّب للخطوات التي ستقدم عليها انقرة حماية لمصالحها.

حتى الأردن الذي أعلن استعداده، الى جانب دول في المنطقة، للمساهمة في تدريب الجيش العراقي وتسليحه، خصوصاً رجال العشائر في كلٍّ من العراق وسوريا، يعطي صورة عن الإستعدادات الجارية في مواجهة، ليس خطر «داعش» فحسب، بل الأخطار الأخرى الناجمة من تداعيات ما يحصل في المنطقة.

ولعلّ التصريحات الأبلغ هي تلك التي صدرت عن السعودية حين دعا وزير خارجيتها سعود الفيصل الى عدم منح إيران «صفقات لا تستحقها» معلناً أنّ بلاده ستتخذ الإجراءات اللازمة لحماية اليمن ومنطقة الخليج، ما ينقل المواجهة معها الى مستويات غير مسبوقة.

حتى الاستعراض العسكري للجيش الباكستاني في العيد الوطني للبلاد، وهو الاول منذ عام 2008، يُنظر اليه كرسالة مزدوجة تجاه الجيران شرقاً وغرباً.

هل هذا يعني أنّ المنطقة مقبلة على إستقرار أم على مزيد من التعقيد والمواجهات؟

تجيب تلك الأوساط بأنّ «توقيع الإتفاق النووي مع طهران، قد يشكل قوة دفع الى مزيد من المواجهات بين القوى الإقليمية، بعدما بلغت الأخطار المحيطة بعدد منها حدّا يُهدّد مصالحها المباشرة. ولا تعلم ما إذا كانت «حكمة» تفتيت الأعداء يمكن ضبط تداعياتها على المدى البعيد، خصوصاً على المصالح الأميركية الاستراتيجية. غير أنّ «سورنة» المنطقة قد تكون علاجاً ضرورياً لإعادة الأحلام الامبراطورية الى الواقع، ولو كانت من حساب شعوبها».