Site icon IMLebanon

أوباما وبوتين:  ما بعد الخطاب

أعلى منبر في العالم ليس مكاناً لمعالجة مشاكل العالم. فعلى مدى سبعين عاماً بلغتها الأمم المتحدة وتغيّر فيها العالم كثيراً، بقي موسم الخطابة كل خريف في نيويورك على حاله: مباراة مسرحية بين حكام يحاول كل منهم ارضاء شعبه بانتقاد خصمه ويراهن على الممكن من التفاهمات في لقاءات الكواليس.

ولم يكن غريباً ان تتركز الإهتمامات في هذا الموسم على ما سيقوله الرئيس الأميركي باراك اوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد كثير من الإثارة حول خروجهما عن المألوف، ولا كان خارج التوقعات أن تأتي الوقائع مختلفة منها لجهة الفارق بين ما جرى تسويقه حول تقارب اميركي – روسي في سوريا، وبين الإنطلاق في خطابي الرئيسين من نقطتين متباعدتين.

ذلك أن أوباما بدا كأنه لم يخسر الرأسمال الذي جاء به الى البيت الأبيض: براعته في الخطابة. ولا هو تخلى عن التصرف كأن الخطابة بديل من الفعل. لكن فشله في الشرق الأوسط حتى في القيادة من الخلف دفعه الى تبرير التقصير بالحديث عن نظرة فلسفية شبه عدمية الى الأحداث، بحيث لم يذكر الصراع العربي – الاسرائيلي بكلمة واحدة. وبوتين تصرّف على أساس انه استعاد الدور الروسي المفقود من خلال موقفه في حرب سوريا، وفرض على أميركا التسليم له بدور الشريك في إدارة النظام العالمي وإعادة رسم النظام الإقليمي. وهو اكتفى بوصف نقلته العسكرية النوعية بأنها جزء من الدعم التقني في مواجهة الإرهاب. لكنه يعرف أنه اربك أميركا وأوروبا ودول المنطقة ودفع الجميع الى تغيير الحسابات.

ولا مجال للخطأ في قراءة الخطابين. أوباما يصرّ على حكومة انتقالية من دون الأسد لمحاربة الإرهاب. ويشير ضمناً الى موسكو وطهران بالقول إن هناك قوى تخالف الميثاق الدولي بحجة محاربة الإرهاب، وتدعو لبقاء الأسد الذي يقتل شعبه بحجة أن البديل قد يكون اسوأ. وبوتين يتهم ضمناً اميركا وحلفاءها في المنطقة ب التلاعب بالمنظمات المتطرفة. وهو يدعو الى تحالف حقيقي لمواجهة الإرهاب على غرار ما حدث ضد النازية، واصفاً الجيش النظامي السوري بأنه القوة الوحيدة التي تواجه داعش، ومحذراً من تكرار مأساة ليبيا بعد التدخل الخارجي العنيف.

لكن بوتين في حاجة الى أميركا والدول الإسلامية التي يجب ان تكون أساس التحالف. وأوباما يقول إنه مستعدّ للعمل مع روسيا وايران لحل أزمة سوريا. والكل ينتظر معرفة ما جرى في لقاء الرئيسين الأميركي والروسي بعد المباراة الخطابية.