IMLebanon

أوباما وسلمان وتجديد الإلتزامات

تقديم الرئيس الأميركي باراك أوباما واجبَ العزاء بالعاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز، وتهنئة العاهل الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز وأركان عرشِه بتسلّمِهم مقاليدَ حكم المملكة، يُنظَر إليه على نطاق واسع بأنّه قرار أميركي لإعادة ترتيب العلاقات بين البلدين في المرحلة المقبلة.

على رغم أنّ أوجه الاختلاف ستظلّ قائمةً، وقد تطاول قضايا طارئة يمكن أن يختلفَ الطرفان في مقاربتها، إلّا أنّ المتغيّرات التي شهدَها العالمان العربي والإسلامي أعادت بدورها تحديدَ الأولويات التي كانت تشدّ العلاقات العربية – الأميركية والأميركية – السعودية خصوصاً.

لا تخفي أوساط أميركية مطّلعة قلقَها من احتمال تعرّض المملكة لأخطار تحتاج إلى مقاربة مختلفة من الجانبين، فيما يستعدّ أوباما لطمأنةِ القيادة السعودية من احتمال الوصول إلى اتفاق مع إيران على برنامجها النووي. فالرياض المتخوّفة من مفاعيل هذا الاتّفاق تحتاج إلى سماع تطمينات جدّية، بعدما حَسمَت خيارها السياسي والأمني في مواجهة تهديدات التنظيمات والجماعات المتطرّفة.

وتشير هذه الأوساط إلى تطمينات سياسية ترتكز في الدرجة الأولى إلى «قراءة» أميركية لِمَا يحصل في إيران نفسها، التي تستعدّ لافتتاح حقبة جديدة في علاقتها مع المجتمع الدولي برُمَّته.

كلّ المؤشرات تتحدّث عن نهاية شهر آذار المقبل للإعلان عن هذا الاتّفاق حتى ولو تأخَّر توقيعه حتى حزيران المقبل. لا بل هناك من يتوقّع حصول تطوّرات على درجة كبيرة من الأهمّية في إيران، يُستدَلّ عليها من الحراك السياسي الكثيف الذي تشهده النخَب السياسية ومراكز القوى داخل النظام الإيراني.

فشَلُ رهان المتشددين على استمرار سياسة المناورة والاستقواء ببعض مراكز القوى العالمية، يعود في جانب منه إلى تخَلخُل معسكر ما سُمّي دوَل «البريكس»، إثر انهيار ركيزته الرئيسة روسيا، مع دخولها أزمة سياسية واقتصادية عميقة، وإلى تسجيل الولايات المتحدة نقاطاً سياسية كبرى ضدّه.

زيارة أوباما الناجحة إلى الهند شكّلت بدورها رسالةً بالغة الوضوح في هذا المجال، فيما تبدو السياسة التي اتُّبِعَت مع كوبا نموذجاً آخر على هذا الصعيد.

وتقول الأوساط الأميركية «إن ما سيَسمعه الملك سلمان من أوباما سيغطّي مروحةً واسعة من الملفّات، خصوصاً أنّ لغةً شبه مشتركة بدأت تظهر بينهما، سواءٌ في موضوع الإرهاب أو في شأن إيران، التي عبَّر فيها السعوديون عبر قنوات عدّة عن استعدادهم لإدارة العلاقة معها تحت أيّ سقف، إذا ما تمَّ ضمان تخلّيها عن طموحاتها النووية».

وتلاحظ الأوساط أنّ «الملفّ اليمني القديم المتجدّد، بدأت تتبلوَر حياله لغةٌ مشتركة أيضاً، مع كشفِ السعوديين عن اتصالاتهم مع الحوثيين. فهُم أكثر مَن يُدرك حساسية الوضع اليمني وخصوصيّته، وهم مِن بين الأطراف الأكثر قدرةً على إعادة تكوين مواقع قوّة فيه إذا تطلّبَ الأمر ذلك.

ولعلّ مقتلَ ناشطي «القاعدة» بطائرة بلا طيّار أمس الاوّل، يشكّل رسالةً عن نوع الضمانات والخطوط التي باتت ممدودةً بين الأميركيين والقوى الفاعلة على أرض اليمن».

وتَعتبر الأوساط نفسُها أنّ تصريحات وزارة الخارجية الأميركية عن الوضع في سوريا، هي مؤشّر آخر إلى الملفات التي يتّفق فيها الأميركيون مع السعوديين، بعد تجدُّد الحديث عن عدم شرعية نظام الرئيس بشّار الأسد وضرورة خروجه من معادلة الحلّ السياسي المقبل، ولو تمّ تحييد قوّاته حتى الآن.

وتقرأ الأوساط ما آلَ إليه «منتدى موسكو» للدلالة على أنّ السير في حلّ سياسي من دون الاتفاق على مستقبل الأسد غير ممكن، في وقتٍ تدير فيه واشنطن حواراً مباشراً مع طهران حيال هذا الملف، بعد «تسليفها» الإيرانيين في العراق.

وتشدّد الأوساط الأميركية أخيراً على وجوب عدم التقليل من أهمّية الدعوات التي ازدهرَت مجدّداً هذه الأيام، لإقامة منطقة آمنة في سوريا، فيما يستعدّ الأميركيّون لبَدء تدريب المعارضة السورية مع الإعلان عن إرسال مئة جندي من الوحدات الخاصة إلى أماكن التدريب المتّفَق عليها، في انتظار إرسال مئات آخرين قريباً، فيما القوات الكندية الخاصة تشتبك على الأرض مع مسلّحي «داعش» في العراق، كنموذج عمّا يمكن أن يقوم به الجنود الأميركيون أيضاً.

ولعلّ طلبَ رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ جون ماكين من الأميركيين أن يتقبّلوا «الاستعداد لزيادة عدد قوّاتنا إلى عشرة آلاف جندي في العراق»، قد يُغيّر معطيات كثيرة.