الكلام كثير في لبنان والمنطقة عن ضعف الرئيس باراك اوباما وفقدان واشنطن مصداقيتها في الشرق الأوسط. الامثلة التي تعطى عن ذلك كثيرة ومنها:
÷ أولا الانسحاب من العراق في غياب جهوزية الجيش العراقي، فاحتلال داعش لشمال العراق وعودة أميركية لمساعدة الجيش العراقي وتجهيزه ودعمه مجددا.
÷ ثانيا عدم قصف النظام السوري ومعاقبته بعد اتهامه باستعمال السلاح الكيميائي.
÷ ثالثا، ضعف استراتيجية محاربة داعش في العراق وسوريا وتشديد الرئيس اوباما على ان ذلك يأخذ حوالي سَنَوات ثلاث.
ولقد كتب ايضا عن «عقيدة اوباما» التي نشرها جيفري غولدبرغ في مجلة «ذي اطلنتيك»، ووصفت بعض المقالات الرئيس الأميركي «بالجبان والجاهل».
بالمقابل فإن في لبنان من يكره اوباما لانه لم يضع لبنان على سلم الاولويات الأميركية ويتطلع هؤلاء الى مجيء «الرئيس» دونالد طرمب ليعطي لبنان الأهمية اللازمة.
في البدء، فإن منظمات وجمعيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية جميعها، الدولية والإقليمية، تقدر بان معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي والعلمي لمنطقة الشرق الأوسط، هي الأدنى بين مناطق العالم. فمنذ ابتدأت عملية التنمية الدولية في ستينيات القرن الماضي والشرق الأوسط يتأخر عن الالتحاق بركب التقدم الدولي، وما احرز من تقدم بسيط وبمساعدة دولية او من مردود البترول هدم في حروب «الإخوة»، المباشرة وغير المباشرة، التي لم تتوقف منذ اكثر من نصف قرن.
ان إقامة الدولة العبرية في العام 1948، والحروب التي رافقتها هزت من دون شك الوجدان العربي وشتتت الجهود الشعبية ومنعتها من التركيز على الإنماء والتقدم. لكننا نعرف اليوم ان هذا الحدث الاليم كان عونا لمعظم حكامنا لتجذير نفوذهم في السلطة، فكانت موازنات الدفاع والأمن تخصص لقمع الشعوب العربية وضبطها وليس لمحاربة اسرائيل. واليوم، بعد ان غابت القضية الفلسطينية عن اجندات الدول العربية، ظهرت حركات دينية تساعدها دول وجمعيات دينية رسمية تريد عودة المنطقة والعالم الى ما قبل عصور العرب الذهبية، وتفرق بين مكونات شعوب المنطقة، وتنشر الارهاب والرعب في المدن العربية والإسلامية وسائر دول العالم. هذا، من دون ان ننسى احتلال الكويت وما تبعه في العراق من احتلال وحروب مدمرة، والمساهمة الأميركية في «الفوضى الخلاقة» في عهد الرئيس جورج بوش الابن بعد حوادث 11 أيلول 2001.
ونعود الى الرئيس اوباما وسياسته الخارجية المتعلقة بالمنطقة: لقد قام اوباما بمبادرتين في بداية عهده العام 2009. حاول مصالحة الاسلام مع الغرب والفلسطينيين مع إسرائيل وفشل لانه لم يلاق تشجيعا من الدول العربية لمبادرته الاولى وغاب الدعم العربي كليا في الثّانية بالاضافة الى التعنت الاسرائيلي.
ويمكن اختصار عقيدة اوباما الشرق اوسطية التي تكونت خلال ولايتيه بثلاثة نقاط:
÷ على دول المنطقة تركيز اهتماماتها على تنمية شعوبها اسوة بما تقوم به المناطق النامية الاخرى حول الكرة الارضيّة، ومن ثم التخفيف من الانقسامات الطائفية والمذهبية والاثنية والقبائلية.
÷ الخطر على استقرار كل من بلدان المنطقة ليس من الخارج، إنما من انعدام ممارسة الحوكمة الحقيقية والمساواة بين كل مكونات الوطن افرادا وجماعات، والذي يسمح بتدخل الآخرين في الشؤون الداخلية.
÷ المفاوضات هي الطريق الوحيد الى حل كل مشاكل المنطقة وقضاياها، فلا حل عسكرياً ممكناً لأي منها، ولا السلاح ولا القوى الدولية او الإقليمية تستطيع حل مشاكل المنطقة المزمنة من دون التعاون في ما بينها.
بكلام اخر، على دول المنطقة ان تقتنع بان مصيرها بيدها ولا يمكن لأي قوى خارجية ان تفرض حلا لصالح حلفائها. مثلا على ذلك، واشنطن، وكذلك موسكو، رددت مرارا ان لا حل عسكريا للحرب السورية وما الاتفاق الأخير بين العاصمتين سوى انعكاس لهذا الموقف.
لذلك فالفريق الذي يريد من واشنطن ان تخوض حربه ليحكم اخصامه في الوطن هو على حق في الانتقاد والحقد على الرئيس أوباما لان هدف ذلك الفريق الوصول الى السلطة وليس بناء الوطن.
اما بالنسبة الى لبنان وعودته الى الاولويات الأميركية كما يتمنى البعض، فذلك ليس من مصلحة لبنان واللبنانيين جميعا. ان وضع اي بلد على سلم الاهتمامات الأميركية يعني انه بحالة مرضية خطرة ويجب وضعه في غرفة العناية الفائقة. لا اعتقد ان مشاكل النفايات، والتعيينات الإدارية، والفساد المالي والاداري، وفضيحة الانترنت، وإنقاذ صحف لبنان، ومستقبل 14 آذار، والتغريدات الجنبلاطية، والاستحقاقات اللبنانية الوهمية، ومقام رئاسة الحكومة وحتى رئاسة الجمهورية، هِي من اهتمامات الرئيس اوباما او من يخلفه.