لا يمكن التحدّث حتى الساعة عن إنتصار أو عن هزيمة أيّ من الفرقاء المنخرطين في الصراع الإقليمي المحتدم في المنطقة. فتغيير المعادلات السياسية الذي مضى عليه ما يقرب نحو ثلاثين عاماً، لا يمكن أن يحصل في أسابيع أو أشهر وربما في سنوات.
غير أنّ هناك مَن يرى أنّ ما حدث منذ القمة العربية الأخيرة، وما تبعها من «عاصفة حزم» في اليمن، وصولاً الى الإجتماع المتوقع لقادة أركان الجيوش العربية للبدء في مناقشة تشكيل القوة العربية المشتركة تنفيذاً لقرارات القمة، مؤشّر يمكن الإستدلال به على ما بات يوصف بـ»صحوة» طال انتظارها.
قد يكون من البديهي ملاحظة الحركة السياسية الناشطة هذه الايام في واشنطن، خصوصاً حركة الموفدين والمسؤولين العرب والاجانب الذين يتقاطرون إليها. كذلك لم يعد خافياً إنهماك دوائر التخطيط والقرار في الإدارة الأميركية في إعادة قراءة المتغيّرات التي طرأت على المشهد العربي، ما فرَض على سيّد البيت الابيض إعادة «التموضع»، سواء في تصريحاته أو في خططه السياسية تجاه المنطقة.
يلخّص مسؤولٌ أميركي معني بملفات المنطقة ما يحدث بنقطتين:
– نجاح الرئيس باراك أوباما في تحويل خيار التفاوض مع إيران لإنهاء برنامجها النووي، قيداً بات يكبّلها في ظل إنعدام الخيارات امامها. فلا هي قادرة على الخروج منه، ولا يمكنها الإستمرار رهينة الحصار الخانق عليها، ولا تستطيع المجازفة في الدخول في حرب.
– سقوط طهران ضحية سياساتها الإقليمية بعدما إمتنعت عن الخوض فيها خلال مناقشة ملفها النووي، معتقدة انها تستطيع تحقيق ما تشاء من توسع وهيمنة، في ظلّ إقتناعها بأنّ «الآخرين» لا يمتلكون إرادة الرد لإرتباطهم بالمظلّة الاميركية، وحرص واشنطن على عدم إغضابها وخروجها من التفاوض.
ويقول هذا المسؤول «إنّ الخطأ الذي وقعت فيه السياسة الإيرانية تكثف حين فشلت في قراءة معنى تشكيل التحالف الدولي لمقاتلة «داعش»، وتعمّق مع عدم إدراكها معنى تشكيل التحالف العربي والإسلامي في اليمن.
إذا كان البعض يرى أنّ الإنتقادات الأخيرة التي وجّهها أوباما الى الدول العربية والخليجية بسبب إحجامها عن التدخل في أزمات المنطقة، هي الإيماءة الأكثر وضوحاً التي قرأها العرب لإستحضار موقعهم على مسرح السياستين الإقليمية والدولية، إلّا أنه في المقابل لا يمكن التقليل من شأن هذه «الصحوة»، سواء سُمّيَت عربية او خليجية او حتى سنّية في مواجهة المشروع الإيراني الذي مضى عليه ثلاثة عقود تقريباً.
فالقرار الأممي حول اليمن شكّل التعبير الأبرز عن الإمكانات المتاحة أمامهم في مسرح صنع القرار السياسي الدولي. وموسكو أدركت هذا التغيير في اللوحة الإقليمية ولمست جديته وترجمته مصلحياً عبر تسهيل صدوره.
فإذا كان العرب جادين وحازمين في هذا التغيير، وبمباركة من واشنطن، فمن غير المنطقي أن يقف الروس موقفاً يتعارض مع مصالحهم السياسية والإقتصادية والإستراتيجية، وإيران لا تستطيع أن تكون بديلًا ينافس العرب في هذا المجال. حتى إنّ «صفقة» صواريخ «اس 300»، سيبقى قرار إستخدامها في يد تل ابيب الى حين، وليس في طهران.
ولا يكشف هذا المسؤول سراً حين يقول «إنّ التصعيد الذي تمارسه طهران يُعبّر عن تخبّط إستراتيجي، بعدما نجح التحالف الذي تقوده السعودية في وضعها أمام خيارين: إما العودة الى لغة الواقع وقبول الشركة في تقرير شؤون المنطقة، او التدخل مباشرة بعدما نزع الجميع قفازاتهم في المواجهة الدائرة فيها».
ويؤكد أنّ الزيارات والحوارات التي تشهدها واشنطن مع طيف واسع من حلفائها، جاءت بعدما أدركت إدارة أوباما أنّ الإستمرار في تجاهل الدول العربية لم يعد ممكناً، ويستحيل إستبدال مصالحها معها بإيران.
أوباما الذي التقى وليّ عهد ابو ظبي محمد بن زايد امس الاول لساعة ونصف الساعة، تبلّغ رسالة إستراتيجية واضحة، في حين يُنتظر أن يؤدّي الرئيس سعد الحريري دوراً مهماً في التحضير للقمة الخليجية الأميركية، ودوره يذكّر بدور والده في هذا المجال، خصوصاً أنّه وصل الى واشنطن مباشرة بعد اجتماعه بالملك سلمان بن عبد العزيز.
ويقول المسؤول الاميركي أخيراً: «إنّ أوباما لا يرغب بمنع أطواق النجاة عن إيران، بل سيُعينها على الخروج من «الحفرة» التي سقطت فيها، عبر حديثه عن الإفراج عن 50 مليار دولار من أرصدتها المجمَّدة، لتجاوز الجدل حول آلية رفع العقوبات، بعدما بات جلياً أنّ طهران أخطأت في تفسير آلية القرارات الدولية التي لا يمكن إلغاؤها بجرة قلم».