IMLebanon

أوباما بين إيران والجمهوريين

بعدما فشلت زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وخطابه الرنان امام الكونغرس الأميركي بدعوة من رئيس مجلس النواب الجمهوري، في التأثير على مسيرة اتفاق الدول الخمس زائداً واحداً مع إيران حول برنامجها النووي، وجه 47 شيخاً جمهورياً رسالة الى طهران تحذرها من الاتفاق مع الرئيس باراك اوباما على هذا الملف، من دون موافقة مجلس الشيوخ، بزعم أن الرئيس المقبل قد يلغيها بشحطة قلم.

ما هي قيمة هذه الرسالة، وما هو مفعولها؟

يقال عن مجلس الشيوخ الفيديرالي في الولايات المتحدة إنه النادي الأكثر نفوذاً وتأثيراً على مجرى الأحداث في أميركا والعالم. يعود الى مجلس الشيوخ وحده الموافقة على تعيينات الرئيس خارج البيت الأبيض، من الوزير الى مساعديه مروراً بنواب الوزراء ووكلاء الوزارات والسفراء. كذلك يعود إليه وحده إقرار أية معاهدة دولية تتطلب التزامات أميركية مادية او عسكرية او قانونية. وبينما ينيط الدستور الأميركي بالرئيس وإدارته رسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة وتنفيذها، إلا ان لمجلسي الشيوخ والنواب إمكان التأثير على تلك السياسة من خلال الموازنة وإقرار الموارد اللازمة لتنفيذها.

يتألف مجلس الشيوخ من عضوين لكل من الولايات الخمسين، أي مئة شيخ او سيناتور كلٌ لمدة ست سنوات، وينتخب ثلث أعضائه كل عامين. وتتخذ القرارات في مجلس الشيوخ بأكثرية ستين شيخاً. لذلك يمكن لـ41 شيخاً منع طرح أي مشروع على التصويت.

حالياً يتكون مجلس الشيوخ من 54 شيخاً جمهورياً و44 ديموقراطياً وعضويين مستقلين ينسِّقان مع التكتل الديموقراطي. حملت الرسالة توقيع 47 شيخاً ما يعني ان هناك سبعة شيوخ جمهوريين لم يوقعوها، كما لم يوقعها 46 شيخاً ديموقراطياً ومستقلاً. كذلك يتطلب التغلب على «فيتو» الرئيس ثلثي عدد الشيوخ أي 67 شيخاً، ما يعني ان الجمهوريين في حاجة الى 20 شيخاً لمنع الرئيس اوباما من التوصل الى اتفاق مع إيران حول ملفها النووي.

ماذا يمكن أن يحدث بعد انتهاء ولاية الرئيس اوباما في 20 كانون الثاني 2017؟

لم يسبق أن أقدم رئيس أميركي على إلغاء اتفاق مع دولة ما، خاصة أن الاتفاق مع إيران سيحظى بموافقة خمس دول كبرى هي الصين وروسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا ودعمها. في حال أعاد مجلس الشيوخ النظر في الاتفاق مع إيران، يتطلب ذلك ايضاً ثلثي الأعضاء.

لن تكون محاولة الجمهوريين هذه الأولى في صد سياسة الرئيس اوباما الداخلية والخارجية. فشل الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ مثلاً في إلغاء إصلاح التأمين الصحي (Obama Care) بوقف الدعم المالي اللازم له برغم سيطرتهم على المجلسين، وامتناعهم عن إقرار الموازنة أسابيع. كذلك فشلت أخيراً محاولة مجلس النواب إقرار متطلبات وزارة ا لأمن الداخلي كونها مسؤولة عن تنفيذ قرار الرئيس اوباما النظر في ملفات حوالى عشرة ملايين مهاجر غير قانوني.

من هنا تبدو رسالة الـ 47 شيخاً جمهورياً هدفها التهويل على إيران وتخويفها فحسب من السير قدماً في طريق اتفاق حول ملفها النووي.

على ان الادِّعاء بتوخي الرسالة «اعلام طهران» بمقدرة مجلس الشيوخ على تعطيل اي اتفاق يعقده الرئيس مع دولة أجنبية ليس في محله، خاصة أن وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف تلقى دروسه الجامعية وصولا الى الدكتوراه في الولايات المتحدة الأميركية، وكانت مادة اختصاصه «العلاقات الدولية». إضافة الى ذلك، يبدو ان هؤلاء الشيوخ يجهلون معرفة الإيرانيين بالشؤون الدولية ويعتقدون انها متساوية لمعرفة المسؤولين في بعض الأنظمة العربية التي يعرفها الشيوخ الأميركيين ولا يحترموها.

ويلاقي الرئيس اوباما معارضة اقوى من الجمهوريين الذين واجهوا الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون في تسعينيات القرن الماضي حينما حاول الكونغرس الجمهوري محاكمته وإسقاطه من الرئاسة. يواجه الرئيس اوباما اليوم معارضة عنصرية ومالية يتزعمها صديق بنيامين نتنياهو الملياردير شلدون أديسون الذي دعم معركة المرشح الجمهوري ميت رومني ضد اوباما في العام 2012 بحوالى ملياري دولار.

بالنسبة الى العقوبات على إيران، يستطيع الرئيس اوباما إلغاء كل العقوبات التي فرضها البيت الابيض على إيران منذ عام 1979، كما يستطيع إلغاء العقوبات الدولية في حال أقرَّ مجلس الأمن إلغاءها وذلك إذا كانت غير مقرة من الكونغرس. اما عقوبات الكونغرس فلن يكون للرئيس تأثير في إلغائها إلا في حال كانت في حاجة الى تجديد. هنا يستلزم إيقاف فيتو الرئيس ثلثي كل من عدد اعضاء مجلسي النواب والشيوخ.