IMLebanon

أوباما بين دول الخليج وإيران

في حال صَحّتْ الأحاديث والتسريبات من واشنطن التي تفيد بأن الرئيس أوباما سيسعى لإقناع قادة «مجلس التعاون» الخليجي ببدء حوار مع إيران في القمة الخليجية – الأميركية المرتقبة في الرياض الشهر المقبل، والتي يحلّ أوباما ضيفاً عليها، فإن هذا مدعاة لأخذ الأمر بمزيد من الجدية والاهتمام.

فالمؤكد أنّ لا أحد عاقلاً يريد للصراعات والاقتتال في المنطقة أنْ تستمر. والخلافات الخليجية – الإيرانية، كما تؤكد المبادرة القطرية، «سياسية وليست مذهبية»، وليس ثمة دولة خليجية تريد لهذا الخلاف السياسي أن يتحوّل إلى خلافٍ وجوديّ. صحيح أن ثمة امتعاضاً خليجياً من كلام أوباما في «ذي أتلانتك»، وأن نخباً خليجية رأت في دعوة أوباما السعودية وإيران إلى اقتسام الشرق الأوسط «لمسة استعمارية»، وأن ليس من حق الرياض وطهران «صنع يالطا جديدة» لاقتسام المنطقة، كما يرى جمال خاشقجي، لكنّ هذا لا يمنع دراسة احتمالات الحوار ومدى جديته وصدق الجانب الإيراني في طرحه والاستجابة لشروطه ومتطلباته للنجاح الفعلي. وفي حال توافرت هذه الأرضية من جانب إيران، وهي ضرورية لإرساء أجواء الثقة المتبادلة، وبضمانة الضيف الأميركي، فإن الجانب الخليجي لا يعدم الاستجابة اللينة لهذه الطروحات. وقد أعلن عادل الجبير في اختتام اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الأخير، أن بلاده لا تمانع في فتح صفحة جديدة في العلاقات مع إيران، إذا غيّرت الأخيرة سياساتها «الطائفية»، وتوقفت عن التدخل في شؤون دول المنطقة. وقال: «لنكن واضحين وصريحين، عندما تتغير السياسة، ستتحسن العلاقة في شكل إيجابي». وكان الأمير تركي الفيصل ذكر أن الرياض مستعدة لإجراء محادثات مباشرة مع إيران، بشرط أن تبدي طهران رغبتها في سحب قواتها من سورية.

إيران، حتى اللحظة، تراهن على أن علاقاتها المستجدة مع الغرب وانفتاحه عليها عقب الاتفاق النووي تكفيها للتفاهم معه على الترتيبات الإقليمية في المنطقة، بغياب الدول الخليجية أو تهميشها، وإذا صدّقنا أنّ رسالة روحاني المذكورة لأمير الكويت قد تعني نهجاً آخر، فإن هذا يؤكد فكرة أساسية وهي أن أي هيكلية أمنية جديدة لمنطقة الخليج ينبغي أن ترتكز على أنّ مقتل هذه الهيكلية في وجود دولة إقليمية عظمى واحدة تتفرد بالهيمنة في هذه الهيكلية، وهذا الأمر يصحّ على إيران والسعودية وغيرهما. وتذهب مراكز تفكير أميركية إلى أنّ من شأن بدء حوار أمني إقليمي جديد وشامل للجميع، أن يخلق فرصاً لخفض التوتّرات العربية – الإيرانية في الخليج، ويكون أكثر ملاءمة لمصالح ورغبات أميركا التي يزعجها «الراكب المجاني»! وفق انتقاد أوباما. لكنّ هذه المراكز تنبّه إلى أن التحدي أمام هذه الصيغة يجيء من استمرار تشبث إيران بسياساتها التدخلية.

إنّ الدعوة إلى بناء منظومة أمنية إقليمية في منطقتنا ليست جديدة، لكنها اليوم تأتي في ظل تغيرات جيواستراتيجية إقليمية ودولية جوهرية، وفي ظل انخراط دول الخليج في استراتيجية بناء الأمن الذاتي وتقليل الاعتماد على «الأمن المستورد». فهل تكون هذه البيئة الجديدة محفزة على الاستجابة بجدية أكثر لهذه الدعوات وبلورة صيغة أمنية إقليمية مع إيران تستهدف تهدئة الصراعات الإقليمية الحالية وتأسيس مستقبل إقليمي أكثر استقراراً وعدلاً وأمناً؟