Site icon IMLebanon

مناخات أوبامية!  

يمكن لمراقب صعب المراس والمزاج في المنطقة العربية، أن يتفرج من بعيد على نتائج الاستفتاء البريطاني الخاص بأوروبا وشؤونها ومستقبلها، ويفترض بسلاسة أن جزءاً كبيراً من مسببات هذه الانتكاسة يعود إلى المناخ الذي أفرزه تعاطي باراك أوباما مع الناحية العربية والإسلامية من خريطة هذا العالم كجزء من تعاطيه مع مجمل القضايا الخارجية!

والغريب أن هذا الاستنتاج الاتهامي يمكن أن يكون مستنداً إلى حيثيات تفصيلية حقيقية وملموسة، وليس متأتياً فقط من إرجاع كل نكسة كبرى في هذا الزمن إلى السياسة الانكفائية العامة والإجمالية المقصودة حيناً والعائدة إلى انعدام الكفاءة أحياناً أخرى، التي اعتمدها الرئيس الأميركي وأوصلت في محصلتها الراهنة إلى إعادة الحرارة إلى كل القضايا التي بردت مع انتهاء الحرب الباردة قبل أكثر من ربع قرن!

ذلك المناخ أمطر أزمات عابرة للحدود. وولّد انطباعات سيئة عن عبث العولمة من أساسها. وجعل المعطى العدمي المتصل بالإرهاب مهيمناً على حساب نوازع الانفتاح والرحابة.. وعزّز النَفَس الانكفائي (الانعزالي) إزاء تعاظم ظاهرة اللجوء والنزوح وما حملته وتحمله من تحديات إنسانية واجتماعية، والأهم اقتصادية، في دول ومجتمعات كانت خرجت من حدودها وقومياتها أساساً لأنها افترضت في الكيانات الأشمل والأكبر حلولاً لمشاكل تنموية، ووعوداً بزيادة معدلات ومستويات الرفاه عندها، وليس العكس!

لا يُجادل المراقب ذاته، الصعب المراس والمزاج تبعاً للبلايا التي يعيش تحت وطأتها (في المنطقة العربية والإسلامية) في أن أسباباً ذاتية بريطانية متصلة في جذورها بشعور كل بريطاني بنوع من التمايز عن غيره ومحيطه، جعله في التاريخ الكنسي (مثلاً) يتمرد على سلطة البابا في روما وينشئ كنيسة مستقلة خاصة به! مثلما جعله سبّاقاً إلى اعتماد نظام يربط دفع الضريبة بالمشاركة في الحكم، مثلما جعله السبّاق إلى قوننة السلطة الملكية المطلقة على الضد من كل الذي كان قائماً في أوروبا ومتحكماً بها وبشعوبها وحروبها!

..لكن لا يمكن ذلك المراقب حتى في أسوأ حالاته المزاجية والاتهامية أن يتجاهل حقيقة أن انتهاء الحرب الباردة حسّن «المزاج» البريطاني العام وجعله أقل انطوائية وتوجّساً، مثلما جعلته عوائد زيادة الانفتاح الاقتصادي على أوروبا والعالم أكثر تقبلاً للعولمة… حتى جاءت سياسات معاكسة مصدرها الأول إدارة أوباما التي أخذت شيئاً فشيئاً تعيد التاريخ إلى الخلف وتشرع في إحياء كل سلبيات الماضي الذي تلا انتهاء الحرب العالمية الثانية!

ارتدادات الاستفتاء البريطاني لا تزال في بداياتها، لكنها في الإجمال، لن تكون خارجة عن السياق العام في عالم اليوم الذي تحكمه راهناً ثقافات عدمية ونزالية تقدّس الذاتيات وتشيع لغة العنف والكره وامتهان الآخر، وتبخّس كرامته، وتمس بالسوء انتماءه وعقيدته.. ثقافات ترتد سلباً إلى الذات ولا تخرج عن كونها تقليداً بائساً لسياسة انكفائية مدمرة، كان بطلها على مدى السنوات الثماني الماضية، شخصاً اسمه باراك أوباما!