Site icon IMLebanon

أوباما.. تابع

كيف يمكن أن تستمر وتتصاعد المواجهة السياسية والإعلامية العنيفة بين الروس والأتراك، وتبقى واشنطن أوباما في منأى عنها، وكأنها تجري في عالم آخر!

الأمر في ظاهره غريب، لكن لأن لا غريب إلاّ الشيطان على ما تقول السردية التراثية المألوفة، فإن موقف أوباما هنا لا يخرج عن سياق سياساته التي اعتمدها إزاء النكبة السورية، وإزاء غيرها من الأزمات التي ورثها عن سلفه جورج بوش وقرّر واعياً أن يتخلص منها في أسرع وقت ممكن!

وتلك سياسات تقول بالانكفاء إلى الداخل ومعالجة الارتدادات الكارثية على الاقتصاد الأميركي التي خلّفتها حربا بوش الإبن في أفغانستان ثم في العراق، والتي جاءت في كل حال، غداة هجمات 11 أيلول 2001.

لكن، إذا كانت تلك المحفزات في مكانها بالنسبة إلى أفغانستان والعراق، فإنها في سوريا ومتفرعات نكبتها، لا تبدو كذلك على الإطلاق.. بل يمكن، مع القليل من الافتراء، والكثير من الغيظ، وضع صمت القبور الذي يمارسه أوباما إزاء ما يحصل بين الروس والأتراك، في خانة التفرج الانتهازي (المريض) الذي مارسه حيال النكبة السورية وفظاعاتها. أي أنه رأى مشهداً ما كان يحلم به، وقرر (بصلابة!) أن يبقى في موقع المتفرج: «إرهابيون» شيعة يفتكون بـ»إرهابيين» سنّة! ودولة صعبة المراس كانت تتنطّح دائماً للعب أدوار أكبر من حجمها وطاقاتها، تتعرض للتدمير الممنهج وعلى أيدي رئيسها وجيشها وأجهزتها! ثم استطراداً من ذلك، هناك ملعب دموي فوّار تُستنزف فيه إيران وهي في عزّ أزماتها الاقتصادية والتنموية، وفي خضم محاولتها للتفلت من تبعات وأثمان تنطّحها لدخول «النادي النووي» (العسكري!) وفي مقابلها على المسرح ذاته، دول عربية تحمل في ذواتها، وقيمها وأنظمتها بذور أزماتها! (وفق الفلسفة السياسية الأوبامية) وتدفع بدورها أثماناً كبيرة لمحاولة صدّ «التوسع الإيراني» وطموحات «الولي الفقيه» ومناصرة الأكثرية السورية ضد طغاتها!

.. وفوق ذلك كله، لا توجد أي مخاطر تطال إسرائيل أو أمنها الاستراتيجي من جرّاء ما يحصل.. بل لا توجد أي شبهة خطر فعلي أو جدي يمكن أن تتعرض له، مثلما لا توجد أي مخاطر إضافية يمكن أن تعرّض المصالح الاستراتيجية الأميركية لأي انتكاسات كبيرة.. فلماذا عليه أن يتدخل؟! وبأي منطق؟!

«الرؤية» ذاتها، وإن اختلفت تفاصيلها، تسري راهناً: ما الذي يطلبه رئيس أميركا أكثر من رؤية ذلك الإحيائي الروسي الجامح المزعج الآتي من أجهزة الاستخبارات السوفياتية، يغرق بكامل وعيه في عداء مفتوح مع ثلاثة أرباع الكرة الأرضية نتيجة مواقفه في سوريا؟ ويعرّض جيشه لاحتمالات شرشحة موازية لتلك التي أصابته في أفغانستان! ويتورّط في تحميل اقتصاد بلاده المنهك أساساً، المزيد من الأعباء والخسائر! ويصيب بيديه، ومن دون طلقة أميركية واحدة، مشروعه لإعادة إحياء أمجاد بلاده، بأضرار فادحة وجسيمة وفعلية وحقيقية! وكأنه لم يكتف باستعداء الأوروبيين والغرب وباقي العالم الحر نتيجة البلطجة التي اعتمدها في القرم وحيال أوكرانيا، بل تراه يفتش عن مشكلة جديدة مع تركيا التي تُعتبر (بالمناسبة) واحدة من أكبر شركاء روسيا تجارياً واقتصادياً؟

وعلى الجانب الآخر: ما هو الهمّ الذي ستحمله أميركا إذا تعرض «المزعج» أردوغان لبعض المتاعب في سوريا؟ وهو الذي تحدى إسرائيل وخالف واشنطن بسبب سياساتها السورية، ولم يردّ عليها في كثير من التفاصيل الخاصة بقوى المعارضة وتسليحها! عدا عن أنه يقدم نموذجاً ناجحاً (لا يجب أن يحتذى) في كيفية المواءمة بين الديموقراطية والإسلام؟!

تفرّج أوباما يشي برغبته في رؤية الاشتباك الروسي التركي يتطوّر أكثر فأكثر، وهو في ذلك لا يتماثل سوى مع بشار الأسد شخصياً؟!!