IMLebanon

هزيمة أوباما كبيرة… لكن غير مُكَرسِحة!

فشل الحزب الديموقراطي في الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي يوم الثلثاء الماضي كان متوقعاً منذ أشهر عدة. لكن المفاجىء استناداً الى متابع جدِّي للحياة السياسية في الولايات المتحدة من واشنطن كان حجمه الكبير. أما أسبابه فكثيرة في رأيه أبرزها خمسة. الأول نجاح “المؤسسة” في الحزب الجمهوري الفائز في التخلُّص من مرشَّحي “حزب الشاي” الذي شكّل نواة صلبة سيطرت على سياساته، وأربكت قادته. واحلالهامكانهم مرشحين يمثلون “الوسط” في الحزب. والثاني صارت خسارة الحزب الذي ينتمي اليه الرئيس الأميركي الانتخابات النصفية أمراً عادياً وخصوصاً بعد مرور ستة أعوام على وجوده في السلطة. والثالث ضرورة عدم نسيان الخريطة الانتخابية التي سمحت للمرشحين الجمهوريين بالفوز. وهي تشير الى أن المعارك الحادة وقعت في ولايات صلبة في انتمائها الى الحزب الجمهوري. وهذا ما جعل فوز الديموقراطيين فيها صعباً. الاّ أن الفوز الجمهوري لن يتكرر في انتخابات العام 2016 لأن غالبية المعارك الانتخابية ستُخاض في ولايات ديموقراطية صلبة. والرابع ملاحظة شيء من العنصرية في الانتخابات النصفية الثلثاء الماضي. ويعني ذلك أنه لو كان أوباما “أبيض اللون” لما كان فاز، لكن هزيمته ما كانت لتكون قاسية جداً. وهنا لا بد من التذكير بأن “الجنوب” الأميركي لم ينسَ أبداً قانون الحقوق الأميركية الذي “ارتكبه” الديموقراطيون. هذا النوع من العنصرية ليس واسع الانتشار لكنه موجود في مناطق عدة. أما السبب الخامس والأخير، وله علاقة ما بالسبب الرابع، فهو أن عدداً من المرشحين الديموقراطيين لعضوية مجلس الكونغرس كانوا ضد الرئيس أوباما ولم يطلبوا مساعدته لهم في حملاتهم الانتخابية، لا بل أظهروا رفضهم لها. أغضب ذلك الناخبين الأميركيين السود والذين من أصل “لاتيني” (مهاجرون من دول أميركية مجاورة للولايات المتحدة أو بعيدة من حدودها) ودفعهم الى عدم التصويت لهؤلاء المرشحين.

طبعاً، يلفت المتابع الأميركي نفسه، هناك أسباب كثيرة أخرى يمكن التطرّق اليها في أوقات لاحقة. لكنه يؤكد رغم الهزيمة بأن أوضاع أوباما لن تكون بالغة السوء، وكذلك حال البلاد. فدخولها مأزقاً أو طريقاً مسدودة، جراء عجز الجمهوريين الفائزين والرئيس الديموقراطي عن العمل معاً، احتمال لا يمكن عدم وضعه على الطاولة. لكن يبدو أن القيادة الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ تمتلك الوقت للبحث مع أوباما وحزبه في كل القضايا الخلافية بينهما، وتالياً للتوصل الى تسويات في شأنها أو في شأن بعضها. فأعضاء “حزب الشاي” ضعفوا داخل حزبهم الجمهوري وهُمّشوا وسيُهمّشون في الكونغرس. وما يؤشر الى ذلك، وهذا أمر يعرفه الأميركيون كلهم، هو أن رئيس مجلس النواب الجمهوري توصّل أكثر من مرة الى تسويات مع سيد البيت الأبيض واتفاقات، لكن أعضاء “حزب الشاي” كانوا ينسفونها ويضربونها. هذا الواقع ربما يتغير الآن، ذلك أن للحزبين مصلحة في العمل معاً استعداداً للانتخابات الرئاسية التي ستجري عام 2016.

هل من شيء يقلق هذا المتابع الأميركي “المتفائل” الى حد ما على رغم الهزيمة الديموقراطية؟

ما يقلقه هو الانطباع الذي سيكوِّنه الآن قادة الدول الأجنبية المهمة عن الرئيس الأميركي “المهزوم”، وعن انعكاس هزيمته على العالم وقضاياه ومشكلاته وعلى علاقات أميركا بها. فهم قد يبتعدون عنه لشعورهم أنه ضعُف كثيراً، وتالياً قد يتحاشون العمل معه للتوصل الى حلول لمشكلات أساسية مثل الملف النووي الايراني والصراع في أوكرانيا والأوضاع الملتهبة في العالم العربي والشرق الأوسط عموماً. ولحسن الحظ، يقول المتابع، ضعف بعض الشيء اقتصاد الصين ولذلك فانها ستكون مستعدة للتعامل مع الشخص الذي يتولى رئاسة أميركا. وما يقلقه أيضاً هو أن الشيخ جون ماكين قد يتولى رئاسة لجنة الشؤون الخارجية، ذلك أنه صار “صقراً”. في الموضوع السوري، إذ يفضّل التدخل المباشر لاسقاط الرئيس الأسد، وفي موضوعي ايران الاسلامية وروسيا بوتين. وهو قد يدفع أوباما الى مغامرات لا يريدها وخصوصاً بعدما صار الرأي العام الأميركي من أنصار المغامرات خلافاً لمواقفه سابقاً.

في اختصار، يدعو المتابع اياه الى الانتظار قبل المسارعة الى الجزم بتوقعات قد تكون مصيبة وقد لا تكون.