أعطى الرئيس الاميركي باراك اوباما خلال العام الماضي مجموعة مؤشرات الى احتمال استمرار الازمة في سوريا بضع سنوات اضافية. قلة من السياسيين في لبنان توقعت ولا تزال ان تستمر الحرب في سوريا طويلاً ولا تنتهي في سنوات قليلة عملا على الأقل بتجربة الحرب في لبنان التي دامت 15 سنة قبل ان تنتهي بتوقيع اتفاق الطائف. وكان من المؤشرات البارزة لطول أمد الحرب بالنسبة الى ديبلوماسيين متابعين ان اوباما رحب بتسوية اقترحتها روسيا قضت بتسليم النظام السوري اسلحته الكيميائية باعتبار انها نزعت له اسنانه التي يمكن ان تهدد اسرائيل او ان تقع في ايدي تنظيمات متطرفة. وثمة مؤشران آخران تمثل أحدهما في اعلان الرئيس الاميركي الحرب على تنظيم داعش وتحدثه عن خطط بعيدة المدى للتحالف الدولي لمواجهته التي قد تستغرق ثلاث سنوات كما قال بحيث رأى هؤلاء الديبلوماسيون في موقف اوباما تطلعاً الى ترك خلفه في الرئاسة يتولى معالجة مسألة داعش في ضوء ما سيحصل من تطورات. اما المؤشر الآخر فتمثل في اعلان الادارة الاميركية خططاً لتدريب المعارضة السورية المعتدلة على ثلاث سنوات أيضاً تقضي بتدريب خمسة الاف كل سنة من أجل اعدادها لمواجهة تنظيم داعش. والمؤشران الأخيران ينتقلان الى ما بعد انتهاء ولاية اوباما في مطلع سنة 2017. وثمة مؤشر اضافي اعتمد ديبلوماسياً في هذا الاطار من خلال التأكيدات التي تجزم بأن الرئيس الاميركي يتطلع لأن يختم ولايتيه الرئاسيتين بانجاز تاريخي هو وفق ما بات معروفاً انهاء الملف النووي لايران واعادة فتح صفحة جديدة من خلال رفع العقوبات. والرغبة في انهاء الولايتين الرئاسيتين بالانجاز الايراني يعني ان المجال لم يعد متاحاً لأي انجاز في أي ملف آخر خصوصاً وسط محاولات الكونغرس ضبط قدرة الرئيس الاميركي على التحرك في مجالات عدّة ولأن الوقت ضاق أمام قدرته على اضافة انجاز آخر خصوصاً انه استهلك القدرة على تحرك جدّي في الموضوع السوري من خلال الابتعاد عما يمكن ان يؤثر على ايران في انهاء ملفها النووي.
في الحديث الذي أدلى به الرئيس الاميركي الى محطة “العربية” غداة انتهاء قمة كمب ديفيد مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي أعلن بوضوح وصراحة ما كانت تنضح به المواقف السابقة المذكورة عبر قوله ان “الحرب في سوريا ربما لا تنتهي قبل ان يغادر هو السلطة” أي بعد أقل من سنتين تقريباً. والمجاهرة من جانب رئيس الولايات المتحدة بذلك على رغم توقعه ومعرفته من الجميع تقريباً ما خلا بعض من كان يتوهم او يرسم آمالاً زائفة باحتمال انتهاء الحرب قريباً، إنما تنطوي على جملة انعكاسات، لعل أبرزها:
ان ما جاء في البيان الذي صدر عن قمة كمب ديفيد والذي جاء فيها “ان الاسد فقد شرعيته ولن يكون له دور في مستقبل سوريا” يصعب ان يكون التزاماً او تعهداً حاسما قطعه الرئيس الاميركي لقادة دول التعاون الخليجي. وهو على الأقل لم يقله او يكرره في حديثه الصحافي. ولذلك فإن اي التزامات في شأن التصدي لطموحات ايران في سوريا وعبرها قد لا يكون وجد طريقه فعلاً الى اي اتفاق على الطاولة بين الجانبين العربي والاميركي.
ان الآمال المعلقة على جهود الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دوميستورا او اي جهود أخرى تبدو من باب ملء الفراغ والعجز الدوليين عن القيام بأي شيء وان أي نتيجة فعلية ليست مرتقبة لهذه الجهود. وتالياً فإن توقع اوباما بأن الحرب ربما لن تنتهي قبل انتهاء ولايته يجهض في الوقت نفسه السيناريوات التي بنيت على اعادة التواصل الاميركي أخيراً مع موسكو في ضوء الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى سوتشي حيث التقى نظيره سيرغي لافروف والرئيس فلاديمير بوتين حيث ذكرت معلومات ان الموضوع السوري قد بحث في ضوء الكشف عن لجوء النظام الى استخدام غاز السارين في قصفه المدنيين مما يضع الاتفاق حول نزع الاسلحة الكيميائية للنظام في خطر.
ان النظام السوري يستطيع ان يطمئن الى بقائه ما استمر الدعم الروسي والدعم الايراني الميداني ومحاربة “حزب الله” مع النظام لمنع انهياره في ظل “ضمانات” الرئيس الاميركي وتوقعاته بأن الحرب ربما لن تنتهي قبل نهاية ولايته. ويستطيع ان يفاخر عندئذ بأن عهد الرئيس الاميركي انتهى وهو لا يزال في السلطة كما فاخر بذلك حين انتهت ولاية الرئيس الفرنسي جاك شيراك وبقي الاسد في السلطة على أثر صدور القرار 1559 واغتيال الرئيس رفيق الحريري. ومع ان كلام الرئيس الاميركي لا يعني ضمناً ان الاسد قد يبقى خلال هذه المدة انطلاقاً من اقتناع بان رحيله عن الحكم لن يؤدي الى استقرار سوريا غداً، فإن من يعرف النظام السوري يجزم برهانه على بقائه.
سيكون أمراً مأسوياً لسوريا سقوط مزيد من الضحايا والتدمير وللبنان ان تستمر الحرب في سوريا بضع سنوات اضافية. فالتحدي شبه اليومي أمنياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً لامكان سقوط لبنان في الفتنة المذهبية ولاستمرار الازمة السياسية مفتوح على وقع الرهانات عليها خصوصاً في ضوء عدم توقع انسحاب “حزب الله” من الحرب هناك على الاطلاق. أضف الى ذلك الاستنزاف الاقتصادي وتوقع بقاء اللاجئين السوريين في لبنان لسنوات كثيرة إضافية مع احتمال ارتفاع اعدادهم.