Site icon IMLebanon

أوباما من اللااستراتيجيا إلى الاستراتيجيا؟

منذ اندلاع الثورة السورية والإعلام الأميركي والغربي، يتحدث عن عدم امتلاك الرئيس باراك أوباما استراتيجيا تتعلّق بالشرق الأوسط وخصوصاً بعد بدء “الربيع العربي” مسيرته “الحمراء”، وقد تكوَّن الانطباع المذكور عند مراكز الأبحاث المهمّة في واشنطن وخارجها، كما عند أعضاء في الحزبين الديموقراطي والجمهوري. ولذلك تركّزت دعوات هؤلاء كلهم على حضّه على وضع استراتيجيا وسياسة تنفيذية لها تنطلق من المصالح الحيوية والاستراتيجية لأميركا التي يهدِّدها العنف المتنامي في سوريا والعراق واليمن وليبيا، والعنف المرتقب في دول أخرى، فضلاً عن الحروب ذات الطابع المذهبي والطائفي. إلا أن المفاجئ أخيراً هو بدء متابعين جدّيين لحركة أوباما في المنطقة الاعتقاد أنه وبعد مدة طويلة من اعترافه بعدم امتلاكه استراتيجيا وخطّة، ومن وعده بوضعهما بعد مشاورات مع حلفائه، بدؤهم الاعتقاد أنهما صارتا جاهزتين وإن لم تُلق الأضواء عليهما بعد. ودليلهم على ذلك بدء ادارته تطبيق أمور لا يمكن إلا أن تكون عناصر من مخطط واسع.

طبعاً لا يدخل هؤلاء في شرح مفصل للخطة والاستراتيجيا التي حضرت بعد طول غياب، لكنهم يلفتون إلى بعض ما جعلهم يقتنعون بالتغيير المشار إليه أعلاه، وفي مقدّمه انتقال أوباما من الضغط على حلفائه الشرق الأوسطيين إلى الضغط على الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد طول مسايرة لها أو مهادنة، جراء الحرص على ايصال المفاوضات النووية الدولية معها إلى اتفاق نهائي. والدافع إلى الضغط المذكور الاقتناع بأن طهران تتابع محاولات زعزعة استقرار المنطقة، وتستمر في دعم الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه، وتسعى إلى السيطرة على غالبية جغرافيا دولة العراق. وقد يكون السعي الأخير هذا هو الذي دفع إدارة أوباما إلى العودة إلى الضغط على القيادة الإيرانية بعد طول مهادنة.

وفي هذا المجال تفيد معلومات المتابعين الأميركيين الجدّيين أنفسهم أن خطة طهران تقضي بالاستيلاء على معظم المدن الرئيسية في العراق وإهمال مناطقه الريفية. وتقضي أيضاً باستعمال الميليشيات الشيعية مثل “الحشد الشعبي” وغيرها التي انشأتها هي كي تنفّذ سياستها ومخطّطاتها اقتناعاً منها بأن الجيش النظامي العراقي لن يقوم بهذه المهمة أو لا يستطيع أن يقوم بها. وقد بدأت تنفيذ خطّتها باستعادة تكريت ورافق ذلك تطهير مذهبي وإتني وعمليات نهب وقتل وتدمير منازل. وأطلق ذلك جرس الإنذار في واشنطن وفي معظم عواصم العالم وخصوصاً الدول الكبرى في الغرب.

وعندما باشرت وضع خطة استعادة مدينة الرمادي بالطريقة نفسها وللهدف نفسه أرسلت إدارة أوباما وحدات نخبة عسكرية أميركية إلى منطقتين سنّيتين من أجل تدريب أبنائهما ومساعدتهم على إنشاء قوة خاصة بهم تساعدهم في الدفاع الناجح عنهما، بدعم أميركي طبعاً مرفق بوعد جدّي بالبقاء معهم وبعدم التخلي عنهم كما حصل قبل سنوات.

تفيد معلومات المتابعين أنفسهم أن أميركا لن تدعم أي عمل تقرِّره حكومة العبادي وتنفِّذه ميليشيات “الحشد الشعبي”، ويرمي إلى التحرك شمالاً لاستعادة ثاني أكبر مدينة عراقية ومدن أخرى غيرها. أما على الصعيد السوري فهي تفيد عن زيادة أميركا جهودها لتدريب وتجهيز النظاميين المنشقين في سوريا والباقين على اعتدالهم. كما تفيد عن تعمُّدها إعلام الجميع بانخراطها التام في الموضوع السوري وباعتزامها البقاء كذلك. وبذلك تأمل إدارة أوباما في اجتذاب النظاميّين السنّة الذين لا يزالون في جيش الأسد، وفي إقناع الذين تركوا الجيش السوري الحر والتنظيمات المماثلة وانضمّوا إلى المتشدّدين العنفيّين بالعودة إلى حيث كانوا.

وما أثار انتباه المتابعين أنفسهم هو ان إدارة أوباما تريد خروج الأسد من رئاسة الدولة وقيادة طائفته من قبل أن تبدأ المفاوضات أو تصل إلى نتيجة كهذه.

في النهاية يخلص هؤلاء إلى أن واشنطن اتفقت مع تركيا على ضرورة إنشاء منطقة آمنة على الحدود التركية – السورية قد تتطور لاحقاً لتصبح منطقة محظور الطيران فوقها. لكن تنفيذ ذلك لم يبدأ بعد. ويتساءلون عن الذي أصاب براغماتية إيران مقارنة بجيرانها، والذي يدفعها إلى الاستمرار في مشروعها الإقليمي. هل هو التيار المتشدد داخلها أم عمق الحفرة التي وقعت فيها؟

ما مدى صحة “تفاؤل” المتابعين؟ لا جواب، إذ لا بد من انتظار التطورات.