ليس أمراً مألوفاً في اتفاق بين ايران وست دول ان تبدو اللعبة كأنها بين واشنطن وطهران فقط. فلا حديث ولا اشارة الى أية عقبة أمام الاتفاق النووي في خمس دول شريكة في التفاوض والتوصل اليه. كل الأحاديث والاشارات والأسئلة تدور حول الحوافز والجوائز والهواجس في أميركا وايران. فالرئيس باراك أوباما يستخدم كل آلة السلطة وكل ما في يده من أوراق وأسلحة لدفع الكونغرس الى الموافقة على الاتفاق. والمرشد الأعلى علي خامنئي يقول ان مستقبل الاتفاق ليس واضحاً، ولا أحد يضمن موافقة مجلس الشورى والكونغرس.
ذلك ان أوباما يخوض حرب الاتفاق بما يجوز ولا يجوز لرئيس قوله. فهو يحذر من ان رفض الاتفاق يفقد أميركا الصدقية أمام العالم، ويهدد وضع الدولار، ويزيد من تعقيد الصراعات في الشرق الأوسط. والحجة الأساسية التي يبني عليها دفاعه هي ان سقوط الاتفاق يعطي ايران الفرصة والمبرر لصنع سلاح نووي خلال أشهر، ويجبر أميركا على خوض حرب لا تريدها. وهي، للمفارقة، قمة التشكيك بالحجة الأساسية التي استخدمها الوفد الايراني، وخلاصتها ان ايران لم تخطط لانتاج قنبلة، لأن المرشد الأعلى أصدر فتوى بتحريم حيازة السلاح النووي. ولم يكن ينقص أوباما سوى التحذير من عزلة أميركا في العالم وهزيمتها أمام ايران في المنطقة.
أما خامنئي الذي لولا موافقته لما تجرأ الرئيس روحاني والوزير ظريف على التوصل الى الاتفاق والدفاع عنه في مواجهة جماعة وتيارات متشددة، فإنه يميل الى تمرير الاتفاق من دون ان يعلن موقفاً واضحاً وحاسماً. وهو يمسك بالعصا من وسطها للحفاظ على التوازن بين التيارات. لكن ما يقلقه هو ما بعد الاتفاق: التغلغل الأميركي في الداخل.
وليس ذلك من المفاجآت في حسابات الجمهورية الاسلامية التي كانت ولا تزال تجمع بين فائض القوة وفائض القلق. فعلى الجبهة الخارجية تبدو طهران مطمئنة الى قوة مشروعها الاقليمي ونفوذها في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. لا بل ان الجنرال يحي رحيم صفوي المستشار العسكري لخامنئي يرى مؤخراً ان تأثير الثورة اتسع في المحيطين الاطلسي والهادي وان الشعوب الاسلامية باتت ترى ايران قلب الصحوة الاسلامية النابض وتتمنى اقامة الديمقراطية الدينية. وعلى الجبهة الداخلية، يزداد القلق حيال تأثر الشباب بنمط الحياة في الغرب. وهكذا يؤكد خامنئي أننا لن نسمح لأميركا بالتغلغل الاقتصادي ولا بالتغلغل السياسي والثقافي.
وبكلام آخر، فان المعادلة في ايران قبل الاتفاق وبعده هي: التغيير في المنطقة لمصلحة الجمهورية الاسلامية، واللاتغيير في الجمهورية بالقوة الناعمة للغرب. والمسألة بالنسبة الى الجميع هي توزيع الأدوار والحصص في النظام الأمني الاقليمي الجديد.