قبل سنتين من انتهاء ولايته الثانية والأخيرة، يتطلّع باراك اوباما إلى دخول التاريخ عبر باب آخر غير أنّه الرئيس الأسود الأول للولايات المتحدة الأميركية. المؤسف أنّه في الأيام القليلة الباقية من السنة ، نرى إدارته تركّز على ثلاثة اتجاهات، في حين المطلوب أكثر من أيّ وقت التركيز على اتجاه رابع وآخر خامس، أي على معالجة ما يمكن تسميته الاستثناء الفلسطيني والظلم اللاحق بالشعب السوري وسوريا عموماً. من فلسطين وسوريا، وليس من مكان آخر، يمكن لأوباما دخول التاريخ من أوسع أبوابه.
بالنسبة إلى باراك اوباما، لا يزال الملف النووي الإيراني يختزل كلّ أزمات الشرق الأوسط. بالنسبة إليه، هناك مكان وحيد يمكن عبره تحقيق اختراق في الشرق الأوسط. هذا المكان هو ايران. ايران بلد مهمّ. لا يختلف إثنان في هذا الشأن. ولكن ما لا يسأله الرئيس الأميركي: كيف يمكن شنّ حرب ناجحة على «داعش» من دون معالجة ما تتسبب به السياسة الإيرانية في المنطقة من كوارث؟.
يرفض أوباما أن يسأل نفسه أيضا كيف يمكن الاكتفاء بالتركيز على «داعش» السنّية وتجاهل الدواعش الشيعية التي هي في أساس انتعاش «داعش» وتمدّدها؟.
لا يجوز تجاهل المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة، في حال كان مطلوباً القضاء على الإرهاب المرتبط اساساً بالاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية التي هي في صلب المشروع الإيراني في الشرق الأوسط. يبدأ المشروع بأفغانستان وصولاً إلى اليمن والسودان ودول الخليج العربي وشمال افريقيا، مروراً بالعراق والبحرين وسوريا ولبنان طبعاً.
لا يمكن إلّا استغراب هذا التوجه الأميركي إلى ايران على الرغم من أنّه لا يمكن في أيّ لحظة تجاهل أهمّية هذا البلد ذي الحضارة العريقة. ولكن يبقى السؤال ما الذي تستطيع ايران، بنظامها الحالي، تقديمه للمنطقة في مجال المحافظة على الاستقرار فيها وتكريسه بدل العمل على تفكيك البدان العربية، كلّ بلد تلو الآخر من منطلق مذهبي؟. هل تعتبر ايران في الوقت الحاضر أنّه آن أوان قبض ثمن مشاركتها في الحرب الأميركية على العراق؟.
في غياب مردود سريع لعملية استرضاء ايران، اتجه باراك أوباما نحو كوبا. ما أعلن عنه الرئيس الأميركي قبل أيّام كان خطوة تاريخية تعكس أوّل ما تعكس الانتهاء من مقاطعة للجزيرة استمرّت ما يزيد على نصف قرن. إنّها الجزيرة التي حكمها فيديل كاسترو طويلا. كان كاسترو يظنّ أنّه سيكون شريكاً في تغيير العالم. كلّ ما في الأمر أنّ كوبا تغيّرت واكتشفت أنّ ليس في استطاعتها الاستمرار من دون العودة إلى الفلك الأميركي.
المضحك ـ المبكي في الموضوع أنّ كوبا المفلسة وجدت نفسها مضطرّة، في غياب الاتحاد السوفياتي، إلى الاعتماد على بلد يسير نحو الإفلاس هو فنزويلا. كانت فنزويلا بين أكثر الدول تأثّراً بانهيار اسعار النفط. انكشفت فنزويلا التي اعتمدت في عهد الراحل هوغو شافيز سياسة لم تجلب لها سوى الخراب.
هناك مكان ثالث يسعى باراك أوباما إلى إظهار وجوده فيه. إنّه اوكرانيا. نعم، تعاني روسيا العقوبات التي فُرضت عليها بسبب سياستها الهجومية في أوكرانيا. لكنّ العامل الحاسم في المواجهة مع الرئيس فلاديمير بوتين كان هبوط أسعار النفط التي جعلت الاقتصاد الروسي في الحضيض. من دفع في اتجاه هبوط اسعار النفط؟. وحده الوقت سيكشف مَن وراء هذا التطور التاريخي الذي فضح دولاً مثل فنزويلا وروسيا وايران.
لماذا لا يمتلك أوباما الشجاعة نفسها في مواجهة اسرائيل والانتهاء من الاحتلال؟. هل كثير الطلب من الرئيس الأميركي ذلك؟. لماذا هذا التخاذل أمام اسرائيل، في حين أنّ كل المطلوب هو إنهاء الاحتلال استنادا إلى قرارات واضحة لمجلس الأمن. هذه القرارات تمثّل الشرعية الدولية التي تعتبر الولايات المتحدة نفسها حريصة عليها، أقلّه نظريا.
لكنّ الفضيحة الأميركية الأكبر تظل الموقف من النظام السوري. هناك رعب أميركي من اسرائيل ومن بنيامين نتانياهو الذي يعترض على أي عمل يمكن أن يسيء إلى النظام السوري .هل هذا ما يبرّر كلّ هذا التراخي حيال سوريا حيث يوجد شعب يبحث منذ نحو أربع سنوات عن أبسط حقوقه؟.
فشل أوباما في بلورة سياسة أميركية واضحة في الشرق الأوسط. هناك جهل حتّى في البديهيات. في الإمكان تحقيق اختراق مع ايران وفي الإمكان التوصل إلى مصالحة تاريخية مع كوبا. كذلك، في الإمكان تركيع روسيا بفضل اسعار النفط. ولكن حيث كان في استطاعة الإدارة لعب دور بناء يخدم شعبين يبحثان عن شيء من كرامتهما، لا مجال لتحقيق أي تقدّم.
هل إلى هذا الحدّ تخشى ادارة باراك أوباما اسرائيل التي لا هدف لديها، إلى اشعار آخر، سوى تفتيت سوريا والقضاء على أي أمل بقيام دولة فلسطينية مستقلة؟. يبدو أن الإدارة مستعدة لكلّ شيء باستثناء المواجهة مع اسرائيل ومع السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط. سيكون على باراك أوباما الاكتفاء بأنّه الرئيس الأسود، وربّما الأخير، في المدى المنظور، الذي دخل البيت الأبيض. قد يكون ذلك كافياً له لدخول التاريخ… ولكن من بابه الضيّق، بل من أضيق الأبواب.