لم تخرج نبرة الخطاب الأخير للرئيس الأميركي باراك أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن سياق الخط العام لاطلالاته الجماهيرية أو الرسمية، منذ خوضه معركة السباق الرئاسي في ولايتيه الأولى والثانية، والى خطابه الأممي الأخير، أو خطبة الوداع قبل مغادرته البيت الأبيض… منذ البداية قدّم أوباما المرشح نفسه للرئاسة حمامة السلام، وخاض معركته تحت عنوان التغيير، والانسحاب من وحول ودماء الحروب التي تورّط فيها سلفه، وحلّ الأزمات الأميركية والعالمية بالوسائل السياسية وليس بالوسائل العسكرية التي تقود الى تعقيد الحلول، والى الأسوأ. ولم يخرج خطابه الأخير في الأمم المتحدة عن هذا النفَس، بل لعلّه كان الأكثر تركيزاً واحترافاً من كل ما سبق، منذ البداية والى حين وصوله الى مشارف نهاية ولايته الثانية…
ومع ذلك يستحق هذا الخطاب الأخير للرئيس الأميركي التوقف عنده لما تضمنه من حقائق وتمويه وخداع في الوقت نفسه. ولعلّ النقطة الأبرز في الخطاب عبارة عابرة قال فيها، في معرض حديثه عن الأزمة السورية وأزمات المنطقة بصورة عامة، من ان القوى العظمى لن تدخل في حرب عالمية، وانه لا يمكن تحقيق نصر عسكري في سوريا… وانه علينا تشجيع الحلّ السياسي… ولعل هذه الأقوال هي أول اعتراف علني ضمني أو شبه صريح، بأن ما يسمّى ب الأزمة في سوريا، هو حرب عالمية مموّهة، وتهدّد بتفجير حرب عالمية كونية جديدة تحمل خميرتها في طيّاتها، وهي حرب لا تريد القوى العظمى التورّط في خوضها على حدّ ما جاء في الخطاب.
خاضت الدول العظمى حتى اليوم حربين عالميتين مدمّرتين للانسانية، واندلعت كل منهما في ظروف شبه متشابهة، ونتجت عن مناخ احتقان عالمي دولي، واندلعت شرارة تفجير في مكان ما وقادت الى الانفجار الشامل! والظروف العالمية راهنا مختلفة عما سبقها في الحربين آنفتي الذكر، على الرغم من وجود احتقانات متفرّقة في العالم، من أوكرانيا الى الشرق الأوسط فالى بحر الصين وآسيا. والمفارقة هي في أن القطب الدولي الآخر المتمثّل بروسيا، هو الذي يعمل على تنفيس الاحتقانات بسياسة الحنكة والنفَس الطويل للرئيس فلاديمير بوتين، وان الطرف الذي ينفخ لتضخيم الاحتقانات هو الولايات المتحدة والرئيس الأميركي باراك أوباما!
دعا أوباما في خطابه الى حلّ سياسي في سوريا والى القضاء على داعش والتطرّف والارهاب فكرياً وميدانياً. ومع ذلك فان السياسة الأميركية المنفذة على الأرض تدفش كل قوى داعش من العراق ولاحقاً من الموصل لتجميعها على الأرض السورية لمتابعة حروب ابادة تهدّد بازالة سوريا عن الخريطة! ويقول أوباما ان العالم ترك عصر الامبراطوريات وراءه، بينما تشدّد الامبراطورية الأميركية قبضتها على عنق العالم! ويزعم ان الولايات المتحدة لا يمكن ان تفرض رؤيتها على الدول الأخرى، وهي تفعل ذلك يومياً على الدول كبيرها وصغيرها! ويدعو الى تصحيح مسار العولمة بحيث لا تذهب الشعوب الى مزيد من الانعزال بينما تستمر أميركا في عزل الأنظمة والشعوب من روسيا الى ايران والصين وغيرها، حتى لا نتحدث عن الأنظمة العربية… وهكذا!
مع ذلك فان الرئيس أوباما لا يخدع أحداً إلاّ من يريد أن ينخدع به وبسياساته. وقديماً قال عبدالناصر الذي نقترب من ذكرى غيابه الخامسة والأربعين: اسمع كلامك يعجبني أشوف عمايلك اتعجّب!