ليس من السهل على الرئيس باراك أوباما أن يبتلع في الرياض ما نقله عنه وعن مساعديه جيفري غولدبيرغ في ذي أتلانتيك. لا قراءته الخاصة في الصراع بين السعودية وايران، ودعوتهما الى سلام بارد يدار به التوازن واقتسام النفوذ الاقليمي بينهما. ولا رؤيته لمشاكل الشرق الأوسط من خلال التاريخ والتشدد الاجتماعي والخوف من الحداثة الى حد التأثير على أندونيسيا التي صار اسلامها عربياً متطرفاً بعدما كان متسامحاً عندما كنت أعيش هناك. ولا حتى استخدامه تعبيراً حمّال أوجه حين سأله رئيس الوزراء الأسترالي ان كان السعوديون أصدقاء أميركا فكان جوابه: انها قصة معقّدة.
لكن الممكن تصوره في محادثات أوباما مع الملك سلمان بن عبدالعزيز ثم مع قادة الخليج، هو تقديم تفسيرات جديدة لما قاله، ثم تجاوز الأمر الى التركيز على المصالح الحيوية للطرفين. ومن الصعب، حتى هنا، تجاهل الاختلاف في الرؤية.
فالتدخل الايراني في الشؤون الداخلية للبلدان العربية هو هاجس الرياض وعواصم الخليج الأخرى، كما صار محل ادانة في قرارات الجامعة العربية وقمة منظمة التعاون الاسلامي. والرهان على الاتفاق النووي مع ايران كان عاملاً مهماً في تخلّي أوباما عن الخط الأحمر الذي رسمه في سوريا.
لا بل ان أوباما الذي يخفّض في العلن سقف توقعاته في العلاقات مع ايران بعد الاتفاق النووي، يتصرّف عملياً بشكل مختلف. أحد مساعديه يقول ان الاتفاق النووي ليس لاعادة رسم الشرق الأوسط بل لجعل بلد خطر أقل خطورة. وهو يعمل، كما يقول دنيس روس، على أساس ان الاتفاق فتح استراتيجي مهمّ في الشرق الأوسط قد يقود الى توازن بين السنّة والشيعة.
وعلى الرغم من مشاركة الرياض وبقية عواصم الخليج في التحالف الدولي الذي تقوده أميركا ضد الارهاب، فان التباين في وجهات النظر واضح بالنسبة الى حروب سوريا والعراق واليمن. وليس مبدأ أوباما سوى سجال آخر للاختلاف. إذ اختصره كولن ديويك في كتاب تحت عنوان مبدأ أوباما: استراتيجية أميركية كبرى اليوم بتعبير استخدمه جوزف ناي هو الخندقة. وعلى العكس، فان ما يسميه السعوديون مبدأ سلمان هو المواجهة.
والبحث عن منتصف الطريق بين الخندقة والمواجهة مهمة صعبة. والسؤال، حتى في تقطيع ما بقي من رئاسة أوباما بالتي هي أحسن وانتظار الرئيس المقبل، هو: ماذا لو كان مبدأ أوباما تعبيراً عن واقعية التفكير الاستراتيجي لدى مراكز القوى الأميركية واقتناعها بأن الشرق الأوسط لم يعد مهماً للمصالح الحيوية الأميركية؟