IMLebanon

هل “خبَّص” أوباما في سوريا ومع إيران؟

لم يكن الرئيس باراك أوباما يعتقد أن النظام السوري في خطر، وأن شعب سوريا سيثور عليه مطالباً بالإصلاح لإقامة نظام بديل يؤمِّن له حقوقه. ولذلك ركّز اهتمامه، وكان لا يزال في ولايته الأولى، على الحوار مع الرئيس بشار الأسد لتحقيق هدفين. الأول بدء مفاوضات سورية – إسرائيلية برعاية واشنطن تؤدي إلى انسحاب إسرائيل من الجولان المحتل، وإلى تعبيد الطريق أمام مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية لاحقة تُنهي الصراع المزمن الذي زعزع استقرار الشرق الأوسط من زمان. والثاني فكّ التحالف بين سوريا والجمهورية الإسلامية الإيرانية و”حزب الله” اللبناني. وقد يحصل ذلك سواء بمبادرة من دمشق أو كردّ فعل من طهران على سوريا في تسوية مع إسرائيل تعطّل استراتيجيتها الاقليمية. وكان المسؤولون الأميركيون أمضوا شهوراً في البحث مع الأسد في هذا الموضوع. لكن عندما بدأت التظاهرات الإحتجاجية تجتاح سوريا شعر هؤلاء أن نجاح سياستهم السورية – الاسرائيلية لم يعد مضموناً. لكنّهم استمروا، ورغم قمع القوى النظامية السورية المتظاهرين، في حوارهم مع الأسد إلى أن صار القمع غير محتمل وغير مقبول. فأقلعت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن وصف الأسد بالرئيس الإصلاحي، وبدأت مع مسؤولين آخرين في الإدارة التحدّث علناً عن قسوته. لكن الحوار معه استمر لإقناعه بوقف العنف ضد شعبه. واعتمد أوباما للنجاح في ذلك على رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس في حينه جون كيري الذي كان أقام علاقة شخصية مع الرئيس السوري. والهدف كان إنجاز تسوية رسمية إسرائيلية – سورية، وفرط التحالف السوري – الإيراني. جعل التحرُّك الأميركي هذا الأسد يستنتج أنه لا يزال صاحب حظوة في إدارة أوباما. وقَوِي استنتاجه هذا عندما تراجع الرئيس الأميركي من توجيه ضربة عسكرية مباشرة إلى القوات السورية تستهدف منشآت الأسلحة الكيماوية، وعندما كانت المقاربة الأميركية لمحادثات جنيف الرامية إلى تحقيق سلام في سوريا ناعمة جداً، وعندما تلافت واشنطن، بعد إعلانها الحرب (بالغارات الجوية) على إرهاب “داعش”، استهداف المراكز الأمنية والعسكرية التابعة لنظام الأسد رغم ارتكاباتها في حق الثوار والمدنيين.

هذا في الموضوع السوري. ماذا عن الموضوع الإيراني ومقاربة أميركا باراك أوباما له؟

يقول الباحثون والمتابعون الأميركيون أصحاب التحليل المفصّل أعلاه أن ادارة أوباما انتهجت حيال إيران المعادية لها منذ عام 1979 مقاربة ناعمة أيضاً مشابهة كثيراً لمقاربتها السورية. وكانت غايتها من ذلك تأمين التوصل إلى تسوية معها حول ملفها النووي. وجرت الإشارة في هذا المجال في وسائل الإعلام وخارجها ليس إلى رسالة واحدة فقط وجّهها إلى الولي الفقيه آية الله علي خامنئي، بل إلى رسائل عدة اقترح في بعضها تأسيس أو إقامة مكتب تجاري أميركي في طهران. وقد كوّن ذلك لدى إيران، مع تمديد مفاوضات المجموعة الدولية 5+1 معها حول هذا الملف، إنطباعاً يفيد أنها مثل سوريا الأسد دولة لا يُستغنى عنها وعن دورها الاقليمي في واشنطن. علماً أن الإنفتاحات الأميركية على إيران حصلت في وقت كانت تمارس دور القوة القائدة لزعزعة الإستقرار في المنطقة، ولزرع المذهبية في أرجائها بهدف السيطرة عليها. وبدا ذلك واضحاً من دعمها الأطراف الشيعة من أجل تأسيس نفوذ قوي لها في العراق ولبنان وسوريا.

ورغم استمرار إعلان إدارة أوباما أن الأسد لا يستطيع أن يقوم بأي دور في انتقال سوريا من نظامه إلى نظام أو وضع آخر، فأن البيت الأبيض استمر غافلاً عمداً عن تواطؤ إيران معه في جرائمه ضد الإنسانية. وقد نقل ناشطون سوريون كثيرون عن مسؤولين أميركيين إقتراحات تفيد أن إيران تستطيع أن تضمن الأمن في سوريا في مرحلة ما بعد الأسد. وهذا يعني أن اعتماد أميركا على إيران شريكاً أساسياً في سوريا والعراق سيُغرِق المنطقة في صراع مذهبي يستمر عقوداً.

في اختصار يعتقد الباحثون والمتابعون الأميركيون أنفسهم أن أوباما اختار الرؤية بالعين “العمياء” إرتكابات إيران في المنطقة ظناً منه أن ذلك سيمكِّنه من إنجاز تسوية معها على ملفها النووي. وبذلك تجاهل سياساتها الاقليمية والمآسي التي تسببت بها. ويرجِّحون أن يكون اختار هذه التسوية بعد الإخفاقات المتعددة لسياسته الخارجية. لكن ماذا لو لم توقع ايران أي تسوية رغم أن كل المؤشرات توحي إلى أنها ستفعل؟ ألا يدل ذلك على شيء من “التخبيص”؟