أين الردّ على قتل اسرائيل أخيراً عناصر ستّة من “حزب الله” وجنرال ايراني هو سؤال سيبقى بلا جواب؟ فالتسرُّع في أمر مهم كهذا وفي مرحلة اقليمية دقيقة أمر غير محمود وغير معهود عند ايران و”ابنها” “حزب الله”. علماً أن اتخاذ قرار يحدِّد مكان الردّ لا يتم من دون تشاور سابق بين الاثنين. ذلك أن التنفيذ سيكون لـ”الحزبيّين” والردُّ على الردِّ، الا طبعاً اذا قرّرت إيران أن تتصدى للردّ على عملية القتل، وعلى ردِّ اسرائيل عليها. وهذا أمر لا يمكن أن يتم الا في حال واحدة هي “انفراط” المفاوضات النووية بين المجموعة الدولية (أميركا) 5+1 وايران في صورة نهائية.
انطلاقاً من ذلك يمكن القول إن تحديد طهران و”حزب الله” ساحة الردّ وطبيعته لا بد أن يأخذ في الاعتبار أموراً مهمة أبرزها ضرورة عدم اعطاء اسرائيل المبرِّر لتنفيذ انتقامها من “الحزب” لنجاحه عام 2006 في افشال حربها عليه في لبنان. فالانتقام الذي تعدّ له منذ سنوات سيدمِّر مناطق شعبه بل لبنان كله. كما أنه سيحرج ايران اذا امتنعت عن مساعدته لمواجهة الانتقام أو اذا ساعدته مباشرة. اذ للمساعدتين انعكاسات صعبة. علماً أنه سيحرجها أيضاً بعد حصوله وذلك لجهة المساعدة المالية المتوقعة منها لاعادة بناء واعمار المناطق المدمّرة. ويأتي الحرج من كون الوضع المادي الايراني لم يعد بالرحرحة السابقة. فالعقوبات الأميركية والدولية خفّضت انتاجها النفطي الى النصف، لكنها تحمّلت واستمرت ناهضة بمسؤولياتها الاقليمية. الاّ أن انهيار أسعار النفط بأكثر من 50 في المئة سيصعِّب الاستمرار المذكور. علماً أن ذلك لن يجعل من ايران لقمة سائغة. وعلماً أيضاً أنها بعد عدوان الـ2006 قدّمت أموالاً كثيرة للمتضررين وخصوصاً من شعب “الحزب” وأوفدت اختصاصيين لقيادة عملية اعادة البناء. لكن المبالغ اللازمة لهذه الاعادة وهي أكبر بكثير قدمت غالبيتها دول عربية خليجية. وبسبب انهيار أسعار النفط، وكذلك بسبب الغضب السياسي الخليجي على “الحزب” وايران، فأن أموالها ستغيب عن اعادة الاعمار. ومن شأن ذلك جعل لبنان أو المناطق المهدَّمة “خربة” كما يقال.
الى ذلك لا بد من القول إن على ايران والحزب أن يضعا كل احتمالات ردِّ اسرائيل على ردِّهما عليها على بساط البحث، والتحوّط قدر الامكان لمنعها من النجاح في تنفيذ ردِّها، وخصوصاً اذا كان هدفه توريط “حزب الله” في حرب أهلية لبنانية عمل جاهداً منذ تحوُّل الثورة في سوريا حرباً أهلية لمنع امتدادها الى لبنان. ويمكن القول أنه افشل الجهات كلها التي كانت تراهن على تورُّط كهذا وهي كثيرة، ولا أحد يعلم اذا كان يستطيع تجنُّب التورُّط هذه المرة اذا كانت اسرائيل هي التي ستشعل فتيل الحرب، بالسماح لمتشددي “النصرة” بالدخول الى لبنان من الممر الترابي الذي يوصل بين سوريا وشبعا، وبالعمل لتأجيج فتنة مذهبية لا يلبث أن ينخرط فيها الشيعة عموماً والسنّة اللبنانيون والفلسطينيون. علماً أن الاخيرين يرفضون الانجرار الى حرب أهلية لبنانية. لكنهم في الوقت نفسه ولأسباب متنوعة يرفضون تنقية مخيماتهم من العناصر المتطرفة جداً لبنانية كانت أم فلسطينية. وفي جو الاحتقان الشعبي المذهبي لا يعود أحد قادراً على منع تدهور الأوضاع.
في اختصار يبقى الرهان، لاعادة ترتيب المنطقة ولمنع لبنان من العودة الى أتون الحروب، على تسوية دولية – ايرانية تفتح الباب بضمانات أميركية لتقارب فتعاون بين ايران والعرب الخائفين منها عنوانه مكافحة الارهاب الذي يهدِّد الجميع. وذلك يلزمه اقدام من أوباما ويبدو عازماً على ذلك. ويلزمه اقدام من ايران فهل هي عازمة على ذلك؟ وعزمها اذا وُجِد يُثبِّت عزم الرئيس الأميركي. أما تفويت الفرصة فقد يضرّ أوباما. لكنه لن يضر أميركا. فهي تستطيع أن تعيش مع توسُّع الحروب في المنطقة في كل الاتجاهات وتستطيع احتمال هزيمة أو نكسة أو أكثر وتحويلها لاحقاً في مصلحتها. فهل تستطيع دول المنطقة ذلك؟ فضلاً عن أن التفريط بأوباما الذي حصل قبل اقتناع ايران بالتسوية النووية مع بلاده والعالم أضاع وقتاً ثميناً لن يعوَّض. فالرئيس الأميركي المسيحي فعلاً وقولاً ولكن ابن المسلم الكيني يعرف عن الاسلام أكثر من كل من سبقه من رؤساء أميركا ومن سيخلفه. ومواقفه انبثقت من هذه المعرفة، وان فشل في ترجمتها عملياً لأسباب اسرائيلية وإيرانية وعربية.