«أوباما ينقلب على أوباما»! هكذا علّق محلّلون استضافَتهم محطة «سي أن أن» الأميركية، بُعيد انتهاء الرئيس الأميركي من إلقاء كلمته الى مواطنيه، شارحاً فيها مشروع التفويض الذي طلبه من الكونغرس لمحاربة «داعش».
بعيداً من قراءة البنود التي تضمّنها هذا التفويض، هناك من يقول إنّ أوباما يُمهّد عملياً لمرحلة استعادة الولايات المتحدة لغة التدخل العسكري، على رغم الضوابط والقيود التي حاول إضفاءها على مشروع قانون الحرب الجديد.
وترى أوساط أميركية في هذا التفويض إعلاناً رسمياً لجنوح السياسة الاميركية نحو التشدّد اليميني، مع انتهاء حقبة الحكم الديموقراطي بتياره اليساري الذي مثّله أوباما خلال الأعوام الستة الماضية.
لعبة عضّ الأصابع بينه وبين الكونغرس دامت نحو سبعة أشهر، لمعرفة مَن سيطلب التفويض بتجديد العمل العسكري المباشر، وتحمّل تبعاته السياسية والتاريخية والأخلاقية.
فأوباما تجنّب مراراً تقديم طلبه على أمل النجاح في الحفاظ على حدٍّ من صدقيته السياسية والفكرية والحزبية، لعلّ انتخابات الكونغرس بمجلسيه، تَضمن الحفاظ على التوازن الذي رافق ولايتيه. غير أنّ كلمة الناخب الأميركي حسَمت في إقناعه بأنّ «المزاج» الأميركي ضاق ذرعاً بتلك السياسات، فيما التحديات تنهال من كلّ حدب وصوب.
أوباما الذي سعى الى وضع ضوابط لحدود «التدخل البري»، ترَك الباب واسعاً للمؤسسة العسكرية في أن ترسم بنفسها تلك الحدود، مؤكّداً في الوقت نفسه أنّ مدة التفويض المحددة بثلاث سنوات، تهدف الى إفساح المجال أمام الرئيس المقبل لإعادة النظر فيه، تمديداً او تعديلاً أو حتى إلغاء.
وكان أوباما استبقَ طلبه بمواقف سياسية، أشارت الى نوعية السياسات المقبلة عليها الولايات المتحدة، حين هدّد بتسليح أوكرانيا بمساعدات «فتّاكة»، نجحت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في تأخير إعلانها بجهد وحضور شخصي الى واشنطن. ونصح خلفه العتيد بضرورة عدم تقييد حركته بسياسات وخيارات وحيدة الجانب، حتى لو بَدت أنها فعّالة، قاصداً بوضوح عدم الاعتماد على القوة العسكرية وحدها.
هل هذا يعني أنّ واشنطن تستعدّ لقلب الطاولة بين ليلة وضحاها؟
تجيب أوساط أميركية أنه من المبكر جداً الحديث عن هذا السيناريو، خصوصاً أنّ أوباما كان واضحاً حين قال إنّ قتال «داعش» سيبقى عملاً متدرّجاً ومختلفاً باختلاف الجبهات ما بين العراق وسوريا. غير أنّ تداعيات التفويض بشنّ الحرب عليها، ستكون عميقة وذات دلالات واسعة على السياسات الدولية والأزمات المفتوحة في العالم.
وتعتقد تلك الأوساط أنّ الإدارة الأميركية ستحافظ على سياسة غضّ النظر التي تمارس تجاه التورّط الذي تنغمس فيه بعض الاطراف الإقليمية، طالما أنّ مفاتيح اللعبة قد عادت بقوة الى اليد الأميركية.
فالإستعدادات القائمة لتلك الحرب في العراق ستأخذ مداها الضروري، في وقت تُلقي تعقيدات الوضعَين السياسي والعسكري في سوريا ظلالاً من الشك على إمكان إحداث خرق كبير فيها، ناهيك عن ارتباطها بالملف النووي لطهران.
وفيما تتّجه المنطقة نحو مواجهات كبرى، ستجد الاطراف نفسها مجبرة على التعاطي مع الدور الأميركي بصفته حاجة وضرورة وعنصر حماية وتوازن.
الإندفاعة الإيرانية في ساحات المنطقة سيحوّلها تهديداً دائماً للعرب، مثلما أنّ ارتفاع كلفة تورّطها سيجبرها على القبول بالدور الذي سترسمه لها الولايات المتحدة.
هذا ما هو متوقع مع بدء انهيار اليمن وإعلان واشنطن وعدد من الدول الغربية إغلاق سفاراتها فيه، ما يُنذر بأزمة غير مسبوقة في منطقة الخليج برمّتها. في حين أنّ التطورات الأخيرة في جنوب سوريا، تظهر أنّ الخطوط الحمر التي رسمتها إسرائيل مجدداً على حدودها سلكت طريقها نحو التطبيق، بعد حصولها على «ضمانات» إيرانية بإعادة التزام «الستاتيكو» الذي ساد الجولان 40 عاماً.
وتستشهد تلك الأوساط بما كشفه مسؤول أمني إسرائيلي أمس الاول حين قال إنّ إسرائيل لن تتدخّل في القتال الدائر جنوب سوريا،على أمل أن ينجح الرئيس السوري بشار الأسد في استعادة سيطرته على الجانب السوري من الجولان، مقابل إنهاء خطر «جبهة النصرة» التي أقامت معسكر تدريب كبير في القنيطرة.
غير أنّ الحديث عن استعادة السيطرة المُحكى عنها إسرائيلياً قد لا تكون دائمة، خصوصاً أنّ قلب موازين القوى على الارض وارد في أيّ لحظة، اذا ما دَعت الحاجة، بحسب تلك الأوساط.