تؤكد الإدارة الأميركية، استناداً إلى تقرير المركز البحثي العربي (كلياً أو جزئياً)، أن علاقاتها مع العرب لن تتأثر بعلاقاتها الجديدة مع إيران. لكن الكلام الموضوعي لا يستطيع أن يتقبّل هذا التأكيد في ظل احتدام الحرب في سوريا بواسطة الإيرانيين و”حزب الله” اللبناني، وفي ظل الوجود الفاعل لـ”لواء القدس” الإيراني في العراق، ولا يصمد كثيراً. فضلاً عن أن طبيعة الاستقطاب في الشرق الأوسط تبدو حادة. وهذه مشكلة ليس فقط للمنطقة بل ايضاً لأميركا وخصوصاً من الآن وصاعداً. فالمسافة بين الفريقين المتحاربين لا تسمح للأخيرة باستعمال الغموض الذي غالباً ما تصفه أو يصفه أعداؤها بالخلاّق. وهذا يفرض عليها أن تكون هنا أو في الموقع المعادي هناك. وهي لا تستطيع المحافظة على علاقات مع الاثنين في وقت واحد من دون أن تواجه دورياً توتراً مع واحد منهما أو مع كليهما. وتوتُّر كهذا لا يمكن أن يكون إلا عامل عدم استقرار في المنطقة.
ماذا يقول خبراء في واشنطن للمركز البحثي العربي (كلياً أو جزئياً) نفسه عن الاتفاق النووي وتداعياته؟
بعضهم يحذِّره من توقُّع تغيير إيران سلوكها بين ليلة وضحاها. ويقول له إن إدماج إيران في العالم وفي الإقتصاد العالمي قد يجعل تصرفها الإقليمي معتدلاً بسبب حوافز كثيرة. لكنه يسأل: ألم تسمع هذا الكلام كثيراً في السابق عن روسيا؟ وهل تحقَّق أو أن ما حصل كان نقيضه؟ وهو ينبِّه إلى أن إيران ستتبع مصالحها الوطنية أو القومية في أي حال، وأحياناً تتناقض هذه المصالح أو تتصارع بحدة مع السياسات الأميركية. ولذلك فإن اعتدال إيران سلوكاً سيأخذ وقتاً. لكن ماذا يحصل في أثناء هذا الوقت الذي قد لا يكون قصيراً؟ أما عن إمكان الإفادة من الميليشيات العراقية المموَّلة إيرانياً لمحاربة “داعش” وخصوصاً في العراق فإن البعض نفسه من الخبراء ومع اعترافه بفاعليتها في قتاله يسأل: هل تستطيع إلحاق الهزيمة الساحقة بـ”داعش”؟ ألم يعلن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش هزيمة “القاعدة” في العراق؟ وأن “المهمة أُنجزت”؟ وألم يتبين أن ذلك لم يكن صحيحاً عملياً؟ ثم يقول: طالما أن السنّة العراقيين سيبقون مقصيين عن المشاركة الفعلية في السلطة والدولة، وسيستمر اعتبارهم مواطنين من درجة ثانية فإن مجموعات جديدة من الإرهابيين ستنشأ كلما نجحت إيران وأميركا أو غيرهما في هزيمة التنظيمات القديمة. ذلك أن الميليشيات الشيعية المموَّلة إيرانياً ستتوجه بعد انتصارها على “داعش” وأمثاله إلى القبائل السنّية لإخضاعها والسيطرة عليها. كما أنها لن تتخلى عن المدن والبلدات والقرى التي حرَّرتها رغم سنّية أبنائها.
في اختصار، يتابع البعض نفسه من الخبراء، تعتبر إدارة أوباما الاتفاق النووي انتصاراً إذ منع إيران من امتلاك قنبلة نووية وجنّب أميركا حرباً جديدة في سياستها الخارجية. إلا أن ذلك يعطي فكرة خاطئة عن طريقة سير الأمور في الشرق الأوسط. والحقيقة في رأيه هي أن أوباما قَبِل أن يقايض إيران خطِرة كثيراً (نووية) بإيران أقل خطراً، لكن باقية خطِرة جداً. وعليه أن يعتبرها اليوم حليفاً. وإذا كان يعترف باستمرار خطرها، وهو كذلك، فمن الأفضل له أن يكون مستعداً لشرح أسباب إدارة “إدارته” وجهها في اتجاه آخر عندما رأت وحدات “القدس” التي تعتبرها إرهابية تقاتل في العراق وسوريا. وعليه أن يستعد لتقرير ما ستفعله أميركا عندما تصبح المسافة بين الكلام الجيد والغموض “الخلاق” صفراً. ويُقال في أميركا إن إدارتها “عيّرت” (من عيار) أعمالها في الشرق الأوسط تلافياً لتهديد المفاوضات النووية.
أخيراً يشير التقرير نفسه إلى أن أوباما بالصفقة أو الإتفاق الذي حصل عليه، خسر ثقة العرب ليربح إيران الخطِرة. وأن تكيّف الأخيرة مع القواعد الدولية سيكون صعباً. ذلك أن فيها مزيجاً من التفوّق والمعتقدات الدينية الصلبة والصور القديمة لأمبراطورية عظيمة قابلة للإحياء.
هل اتفاق كهذا جيّد؟
الحقيقة كما ورد في التقرير تشير إلى أن أوباما ربح معركة في الشرق الأوسط لكنه خسر الحرب. فالاتفاق النووي هزّ مباشرة أُسس الاتفاق الذي وضعه روزفلت (رئيس أسبق عام 1945). وهو سيضع أميركا في معسكر واحد مع دولة لديها طموحات متشدِّدة تناقض كلياً المصالح الأميركية في المنطقة. وإذا ظن أنه يستطيع الاختباء في “المنطقة الرمادية” أي “الغموض” بتأكيد علاقاته القوية مع العرب والتزاماته الصلبة تجاه أمنهم، فسيكون مفيداً تذكيره أن الشرق الأوسط لم يعد “يشتري هذه البضاعة”.