منذ وصوله الى البيت الأبيض في 2009، بدأ الرئيس الاميركي باراك اوباما الدفع بقاطرة المصالحة والتطبيع مع ايران من باب الاتفاق النووي الذي يضع كل ثقله لابرام إطاره قبل نهاية الشهر الحالي، على رغم معارضة فرنسية قد تحبطه، وتصويت مرتقب في الكونغرس قد ينال من فرصه حتى بعد توقيعه.
هوس أوباما بالاتفاق رسم منعطفات استراتيجية عدة لإدارته في المنطقة. ففي عام انتخابه، تجاهل أوباما “الثورة الخضراء” في إيران، وكانت الرسالة الخطية الأولى منه الى المرشد خامنئي للتعبير عن النوايا الطيبة، والاقرار بدور طهران الحاضر والتاريخي، وتوظيفه في البحث عّن حل سلمي للبرنامج النووي. ولحق ذلك نهج أميركي حذرٌ يتجنب التصادم مع ايران إقليميا في مناطق نفوذها من العراق الى سورية الى لبنان.
وفي بغداد، انعكس ذلك بإبقاء نوري المالكي رئيسا للوزراء على رغم خسارته الانتخابات في 2010، ومن ثم الرضوخ لشروطه والانسحاب في 2011 من دون تفاهم أمني كان ليضمن ركائز أمن العراق واستقلاليته في المدى الأبعد. وساهمت هذه الأخطاء، على حد قول الجنرال الاميركي السابق ديفيد بترايوس لصحيفة “واشنطن بوست”، في عودة تنظيم “القاعدة” الى العراق، وفتح بؤر الميليشيات الشيعية التي تشكل تحديا أكبر من “داعش” للاستراتيجية الاميركية، بحسب القائد العسكري السابق نفسه.
الفوضى العراقية لم تمنع أوباما من تكرار الأخطاء نفسها في سورية، حيث غض النظر عن “حرب الاستنزاف” بين النظام والمعارضة، وتجاهل حتى خطوطه الحمر في 2013. فكان التراجع عّن محاسبة النظام السوري على استخدامه السلاح الكيماوي 12 مرة، وفق ما اكدت الاستخبارات الاميركية. واستنجد أوباما باللاعب الروسي لتوقيع اتفاق أكسب الأسد الشرعية في تفكيك الترسانة الكيماوية مع استمرار استخدام مادة الكلورين في أرض المعركة.
كل ذلك تم على خطى المفاوضات الاميركية – الإيرانية، وصولا الى الاتصال الاول منذ 1979 من المكتب البيضاوي بالقيادة الإيرانية، ومكالمة اوباما والرئيس حسن روحاني في نهاية أيلول (سبتمبر) 2013 . وجاء الاتصال بعد أسابيع من التراجع في سورية وعشية توقيع اتفاق مرحلي بين طهران والدول الكبرى.
ومنذ الاتفاق المرحلي، وحسابات أوباما هي في تحويله الى اتفاق شامل، وقراءة ذلك على أنه إنجاز تاريخي ولحظة تحولية له مثل سقوط حائط برلين في 1989، أو زيارة ريتشارد نيكسون الى الصين في 1972. ويذهب إعتقاد البيت الأبيض الى ان الاتفاق والتحول الاقتصادي الذي قد يأتي به الى طهران سيساعد المعتدلين ويغير تدريجيا نمط الحكم من دون الحاجة الى تغيير النظام. الا أن هذه النظرية تصطدم بعاملين، الاول ان الشرق الأوسط ليس الاتحاد السوفياتي سابقا أو الصين الشيوعية، والثاني أن تشدد إيران اقليميا في وتيرة تصاعدية منذ بدء المفاوضات، ويستند الى توزيع بارع للأدوار بين وزير الخارجية جواد ظريف في فيينا وجنرال “الحرس الثوري” قاسم سليماني في تكريت.
وفي حين ما زالت العقوبات تقف حاجزا بين أوباما والاتفاق – الاطار مع ايران، باعتبارها المسألة الخلافية الاخيرة بين المفاوضين، فإن الفائدة الاقتصادية من رفعها لن تتمثل في “التبادل العلمي” و”التجارة الحرة” كما يأمل الرئيس الاميركي، بل ستكون على الأرجح سد نفقات ايران المتزايدة في سورية ولبنان والعراق واليمن. وليس هناك استراتيجية أميركية اليوم لمكافحة هذا التصدع الاقليمي، بل علاجات موقتة عبر الضربات الجوية والمفاوضات لاحتواء “الدول المارقة الجديدة” في الشرق الاوسط.
وفي حال إبرامه الاسبوع المقبل، سيكون الاتفاق – الاطار نقطة الوصل الاخيرة قبل اتفاق شامل في تموز (يوليو) المقبل، قد يحتفي بِه أوباما في واشنطن على رغم مقاطعة خامنئي واستمرار ترديد شعار “الموت لاميركا” في طهران.