Site icon IMLebanon

لا مصلحة لأوباما في فقدان بوتين ماء الوجه!

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخسر الآن في سوريا في رأي متابعين أميركيين لبلاده ولوضعه فيها. هذا الرأي حيّر ويحيّر جهات كثيرة تتابع من قرب مجريات الحروب المتنوّعة الدائرة فيها. ذلك أنه حال بتدخله دون انهيار مفاجئ للأسد، كان حلفاؤه يتوقعونه قبل أعدائه، ويكاد أن ينتهي من تنظيف محافظة اللاذقية معقله الأساسي من الاختراقات العسكرية الجدية والخطيرة التي أحدثتها فيها التنظيمات المعارضة له فضلاً عن أنه يسعى بالتعاون مع القوات السورية الحليفة لها والميليشيات “الأجنبية” إلى إبقاء العاصمة السورية تحت سيطرة الأسد وإلى تطهير ريفها من أعدائه المتنوعين. إلى ذلك كله تشير المعلومات وقبلها التحركات إلى نوع من التنسيق بين موسكو وواشنطن عواصم أوروبية عدة في محاربة “داعش” وأمثاله، كما إلى نوع من العمل السياسي المشترك لجمع النظام السوري وأعدائه ودفعهم الى التوصّل إلى تسوية سياسية تنهي حروبهم وتضع البلاد على طريق نظام جديد وتعيد بناء ما دمروه.

أما المتابعون المقتنعون بأن بوتين يخسر، فيبررون رأيهم بأن احتمال خسارته ممكن إذا ركب رأسه وقرر الإبقاء على الأسد ونظامه وإضعاف أعدائه العسكريين والسياسيين، واستعداء الدول المعارضة له في المنطقة مثل تركيا والعربية السعودية وغيرهما. ويكون ذلك بتكرار تجربة أفغانستان معه حتى وإن اكتفى بالتدخل العسكري الجوي وامتنع عن إدخال جيوشه البرية إلى سوريا. وتكرار تزويد أميركا “المجاهدين” والثوار والإرهابيين بكميات كافية من الصواريخ المضادة للطائرات. وبذلك يضع هؤلاء بوتين أمام موقف من اثنين، إما الانسحاب وإما المزيد من التورّط الجوي المواكب بتورّط بري.

ونجاحاته المشار إليها أعلاه لا تعني أن قواته وحلفاءه لم تتعرض إلى خسائر. فهو سقط له مئات بين قتيل وجريح. و”حزب الله” سقط له آلاف بين قتيل وجريح. هذا فضلاً عن قتلى وجرحى الجيش السوري وحلفائه الآخرين الآتين من العراق وإيران وأفغانستان وغيرها. والذين يعرفون طبعه وحلّلوا شخصيته يعتقدون أنه إذا خسر ماء الوجه فإنه سيندفع نحو التصعيد لأنه، مثل كل السياسيين والقادة الكبار في الأنظمة الديكتاتورية رسمياً أو فعلياً، لا يستطيع أن يظهر خاسراً أمام شعبه، لأن سياسة الحد من الخسائر، التي لا يؤمن بها، ينتهجها فقط المحترفون.

هل تريد أميركا إغراق بوتين في المستنقع السوري أم تفضل مساعدته لإنقاذ ماء وجهه؟

إنها تريد مساعدته لإنقاذ ماء وجهه، يجيب المتابعون الأميركيون لبلاده ولوضعه فيها كما لتدخله العسكري في سوريا. والسبب الذي يقدمونه هو خوفها من فقدانه السيطرة على تطوّر الأوضاع في هذه الدولة، وأيضاً خوفها من اندلاع حرب كبيرة في المنطقة لا تستطيع أن تبقى بمنأى عنها مع حلف شمال الأطلسي وخصوصاً إذا طالت تركيا حليفة الاثنين. وذلك غير مستبعد على الاطلاق نظراً إلى العلاقة المتردية بين موسكو وأنقرة، وإلى اقتناع الأخيرة بأن روسيا هدّدت مصالحها القومية وتهدّد بإضعاف دورها وتؤجج مشكلاتها الداخلية. انطلاقاً من ذلك يعتقد هؤلاء أن الرئيس باراك أوباما يعمل ما في وسعه لإنقاذ بوتين، وذلك من خلال التشارك معه في العمل لتسوية سياسية للحرب السورية. والنجاح في ذلك يمكّن الرئيس الروسي من إنهاء تورّطه في سوريا من دون تراجع. ويبدو أن وزيري خارجيتيهما جون كيري وسيرغي لافروف يعملان من أجل ذلك، لأن بلديهما لا يريدان أفغانستان ثانية في الشرق الأوسط. طبعاً يستبعد كثيرون التوصّل إلى تسوية نهائية وشاملة رغم مساعيهما، لكنهما سيضغطان كثيراً وإن من أجل تسوية موقّتة لأنها تساعدهما في الانسحاب تدريجاً أو في تخفيف التورّط.

في النهاية توافق جهات أميركية جدية على التحليل المعلوماتي المفصّل أعلاه، لكنها تحذّر في الوقت نفسه من “عيب” في التحليل الأميركي لبوتين. ذلك أنها تنطلق من معايير وقيم غربية للقول مثلاً إن بوتين سيخسر حتماً إذا بقي سعر النفط منخفضاً، لأن شعبه سيقوم عليه جرّاء سخطه على الوضع الاقتصادي المتردّي وغياب الحريات والديموقراطية. في حين أن المعايير الروسية مختلفة، فبوتين لا يأبه مثلاً لما يفكّر به شعبه لأن سلطته لا تنبع منه بل من الأجهزة الأمنية الخاضعة له، ولا يخشى انتفاضة شعبية عليه سواء بسبب انعدام الحريات أو الصعوبات المعيشية، أولاً لأن الأخيرة تكيِّف التظاهرات الشعبية، ولأن المزاج الشعبي الروسي يتفهّم اتهام حاكمه أميركا والغرب بالتآمر عليه وعلى روسيا.