لم يتأخر دونالد ترامب طويلاً في تفعيل ما كان يقوله خلال حملته الانتخابية وفي تأكيد مدى جديّة طروحاته الخاصة تحديداً بالسياسة الخارجية، وبالشق المتعلق منها بإيران.
المألوف والمعروف أن طقوس الحملات الانتخابية تحتمل إطلاق الكثير من الوعود والمواقف التي تستثير حمية الناس وتدغدغ أسماعهم وتدقّ على أوتار همومهم.. والمألوف بعد ذلك، هو أن الجلوس في موقع القرار مختلف عن السير على الطريق المؤدي إلى ذلك الموقع، فيبقى تبعاً لهذه المعادلة، جلّ ما قيل (سابقاً) في دائرة القول ويضيع الكثير من الوعود في متاهات الواقع المختلف والأصعب والأكثر تعقيداً من سلاسة الخطابات المنبرية!
لكن الواضح أن ترامب في مكان آخر: صدّام (بالمعنى اللغوي) يهوى الاستعراض والمسرحة وإطلاق كل ما يمكن أن يصدم السامعين.. والأخطر (الراهن) هو أنه يعتمد ذلك الأداء منهجياً، شكلاً ومضموناً ويستمر في مفاجأة الجميع. وليست الترشيحات التي اعتمدها في المناصب الخطيرة الثلاثة (الاستخبارات المركزية، الأمن القومي ووزارة العدل) سوى تأكيد صارم لذلك الاستنتاج ولكونه يريد التأكيد للجميع بأنه يعني ما يقول. ثم الأخطر أنه ينفّذ ما يقول!
التعيينات الثلاثة الأخيرة تحمل في ذاتها عناوين واضحة للسياسات التي شرحها طويلاً على مدى ثمانية عشر شهراً من الحملة الرئاسية، داخلياً وخارجياً.. وفي ذلك يأتي الموقف من إيران في الصدارة.
ويمكن الاستنتاج، أو الافتراض، أن المنطقة العربية والإسلامية أمام مفارقة محتملة وكبيرة الحجم: الرئيس «المعتدل» «المسالم» «الوسطي» «الديموقراطي» باراك أوباما لم يترك زيتاً في العالم إلا ورماه على حطب الفتنة الإسلامية التي حملها ويحملها مشروع إيران الخارجي! أخذ منها مشروع القنبلة الإفنائية دفعة واحدة، ثم أغراها بالتقسيط بمدونة الفناء والإفناء، من خلال بيعها في مقابل ما أخذه منها، تسليماً لها بطموحاتها الإقليمية! وذروة الخبث الأوبامي (الموازي لغرابة المنطق الذي يعتمده صاحب القرار الإيراني) هو أنه أنتج لها ولضحاياها محرقة فعلية في مقابل محرقة مفترضة!
كان يعرف رئيس أميركا هذا (وبالتأكيد طالما أنا أعرف!) أن «دور» إيران في سوريا يعني استنزافاً لها إلى الأبد في مقابل تسليمه أو سكوته (لها) عن شعار «الأسد أو نحرق البلد»! وكان يعرف أن تمدّدها في العراق وتمكينها من مؤسساته الشرعية لن يعني «سقوط» هذا البلد الكبير في يدها بقدر ما سيحوّله إلى مطحنة دموية كاملة المواصفات! وكان يعرف أن السكوت عن دورها في اليمن لن يوصلها سوى إلى مستنقع فتنوي لا حدّ له! وكان يعرف أن «التعايش» مع نفوذها وأدواتها في لبنان لن يقابله سوى إغرائها أكثر فأكثر، في سلوكياتها التي أدت مثلما هو واضح ومقروء ومنشاف وملموس، إلى وضع فلسطين وقضيتها على الهامش وفتح جروح وحروب وبلايا فتنوية بالجملة وإلهاء «حزب الله» بقصة «مراكمة الخبرات» القتالية في سوريا بما حطّم ويحطّم بنيته وثقافته و«مقاومته».. فيما إسرائيل تتفرج وتراكم الهدايا المتهاطلة عليها، ولا «تستوعب» ذلك كله!
في مقابل هذا الأداء الأوبامي، جاء رئيس (منتخب) محمّل ومُدجّج بنزعة عدائية بدائية تشمل الإسلام في ذاته، قبل الظواهر الإرهابية المتستّرة به! غير أنه (المفارقة!) يعد بسياسة إزاء إيران قد تدفعها أخيراً، إلى إعادة النظر جذرياً بكل مشاريعها الفتنوية. أي أن «المسالم» «المنفتح» أوباما تسبب بإشعال أو تغذية أفظع فتنة في تاريخ المسلمين، في حين أن «العدائي» ترامب قد يوصل(؟!) إلى إنضاج معطيات تطفئ نار تلك الفتنة!
السيرة تطول، وفيها الكثير الكثير من الأسئلة (البريئة!) عن «الذكاء الاستراتيجي» الإيراني.. بغضّ النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض وتوجهاته وسياساته!
وسؤال على الهامش: إلى متى سيبقى محمد جواد ظريف في منصبه؟!