IMLebanon

أحجية أوباما

 

صعب مرّة أخرى، افتراض جواب طبيعي عن السؤال الخاص بسياسة باراك أوباما إزاء «داعش» تفصيلاً والوضع السوري عموماً. وصعب أكثر تركيب معادلة تحاكي الوعود التدميرية الجديدة التي أطلقها بالأمس أمام نخبة من العسكريين في إحدى القواعد الأميركية في نيوجيرسي، وهو الذي قال حرفياً «ربما يظنّون (الدواعش) أن في مقدورهم تحقيق بعض الانتصارات السريعة لكن باعنا طويل ولا نستسلم. لقد هدّدتم أميركا ولن تجدوا ملاذاً آمناً(…) سنُجهز عليكم».. الخ.

مصدر الأحجية والسؤال هو تحديداً صاحب ذلك الكلام! بمعنى انه كلام آت من حقبة سابقة كان عنوانها جورج بوش، لكنه يُقال في حقبة راهنة عنوانها أوباما نفسه. والفارق بين الحقبتين هو ذاته الفارق الجغرافي بين الأنبار وواشنطن. كما انه ذاته الفارق بين سياستين، واحدة كانت تفتش عن الشر وثانية تهرب من ذلك الشّر! وواحدة كانت تخترع أعداء مثلما تُخترع السيارات الجديدة والهواتف الذكية، وواحدة لا تريد أن ترى الخطر رغم ان الأعداء زادوا ولم ينقصوا!

وبمعنى أوضح: تشخيص أوباما للحالة الداعشية وأخطارها وتهديداتها لا يتلاءم مع أدائه المضاد والمواجه. عدا اشتماله على ابتسار مقصود: يركّز على النتيجة ويتجاهل الأسباب. ويركّز على الأدوات ويتجاهل المصنّعين و«المبعدين».. يطلق وعوداً زلزالية لكنه ليس مستعداً لزيادة الانخراط في الحرب المعلنة، ولا السماح لغيره بالتدخل بطريقة فعّالة وحاسمة.

.. هذه أول حرب دولية «تُستعمل» فيها البيانات والخُطَب أكثر من حاملات الطائرات! وهذه أول حرب شاملة يُقال من أولها إن أهدافها جزئية. وتُشنّ بالتقسيط. وتعوزها الدقة والوضوح وصولاً الى انه، حتى وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل لم يفهم ما فيها ولا ما في ذهن رئيسه، وآثر الاستقالة على اتهامه بقلّة الفهم!

الجملة الوحيدة «الدقيقة» في مطالعة أوباما بالأمس، هي تلك التي قال فيها «إن باعنا طويل». وهذا يعني أن نهجه لن يثمر على أيامه، شيئاً ملموساً في الهدف المحدّد بالقضاء على الارهاب! أي ان الباع الطويل يعني انتظار الخَلَف كي ينفذ ما يقوله السَلَف!

الأحجية الأفظع (تكراراً) هي أن مستر أوباما يعرف تماماً، انَّ بذرة «داعش» والارهاب المعولم تُسقى وتنمو في أرض النكبة السورية. وان تلك النكبة مستمرة لأن بشار الأسد لا يزال في مكانه.. ومع ذلك يستمر في قول نصف الحقيقة، علماً أن أنصاف الحقائق لا تولّد أي نوع من الحواسم في محاربة الإرهاب ولا في الهرب من تداعياته، أكانت هذه في سيدني أم بيشاور أم الأنبار أم الرقّة!