من حقيبة النهار الديبلوماسية
“أخذ الرئيس باراك أوباما من إيران برنامجها النووي المتطوّر الذي يمنحها القدرة على امتلاك السلاح النووي وأنجز معها، وبالتعاون مع زعماء فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين والمانيا، اتفاقاً ينهي طموحاتها ويجعلها تكتفي ببرنامج نووي للأغراض السلميّة يعمل في ظل رقابة دولية صارمة طويلة الأمد. لكن أوباما رفض في المقابل عقد الصفقة السياسية – الاستراتيجية الكبرى مع إيران التي تمنحها دوراً إقليمياً مميّزاً وتجعلها شريكة لأميركا في المنطقة وتعزّز نفوذها على حساب الدول الخليجيّة والعربية الحليفة لواشنطن وتغيّر موازين القوى لمصلحة طهران”. هكذا اختصر مسؤول أوروبي في باريس شارك في المفاوضات النووية الإيرانية الدولية حقيقة الوضع. وقال ان التطوّرات الأخيرة أبرزت الأمور الأساسية الآتية:
أولاً: إن ما حدث هو انتصار للإرادة الدولية، إذ إن أميركا والدول الخمس الكبرى الأخرى في مجموعة الست أرغمت القيادة الإيرانية، من طريق فرض عقوبات دولية بالغة القسوة عليها ومفاوضات شاقة معها، على تقديم تنازلات جوهرية والرضوخ للمطالب الدولية المحددة، الأمر الذي جعل الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكّد رسمياً أن ايران اتّخذت كل الاجراءات المطلوبة منها ممّا يسمح بتنفيذ الاتفاق النووي الموقّع معها في تموز الماضي. وهذا يعني عملياً أن إيران أزالت أو ألغت كل المكوّنات والمواد في برنامجها النووي التي يمكن أن تسمح لها بانتاج السلاح النووي. وسيخضع البرنامج النووي الإيراني لرقابة دولية صارمة ومشدّدة تمتد بين 15 و25 سنة ينفّذها المفتّشون الدوليون الذين يملكون حق زيارة وتفقّد كل المنشآت والمواقع النووية التي يريدون. وتطبيق هذه العملية يعني أن إيران فقدت استقلالها النووي.
ثانياً: بعد تنفيذ إيران التزاماتها المطلوبة دولياً، أعلنت الدول الكبرى قرار رفع العقوبات المرتبطة ببرنامجها النووي عنها، ممّا يسمح لها باستعادة أموالها المجمّدة وتصدير نفطها بحريّة. لكن الإدارة الأميركية أعلنت رسمياً أنها ستواصل فرض العقوبات المرتبطة بدعم إيران الارهاب و”حزب الله” وببرنامجها الصاروخي وبنشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة وخصوصاً في سوريا واليمن وبانتهاكات حقوق الإنسان. وهذا القرار يمنع الكثير من الشركات الأميركية وعدداً من الشركات الأوروبية والدولية من العمل في إيران خوفاً من تعرّضها لعقوبات أميركية.
ثالثاً: إن إيران خسرت في هذه الصفقة أكثر ممّا حقّقته أو ستحقّقه من ارباح ومكاسب، إذ انها أنفقت على برنامجها النووي ذي الطابع العسكري نحو 100 مليار دولار، وتكبّدت في سبيل الاحتفاظ به خسائر تتجاوز 200 مليار دولار، هي حصيلة العقوبات الدولية المفروضة عليها. والأموال المجمّدة التي ستستعيدها إيران بعد تنفيذ كل الخطوات المطلوبة منها تراوح بين 30 ملياراً و50 مليار دولار. وهذا الرقم ضئيل ومحدود مقارنة بالخسائر التي تكبّدتها قبل أن تتخلّى عن طموحاتها النوويّة التسلحيّة، ومقارنة بحاجات إيران إلى أكثر من 500 مليار دولار في السنوات المقبلة من أجل إصلاح وتطوير منشأتها الصناعية والنفطية والمدنية وقطاعاتها المتنوّعة وتحسين الظروف المعيشية القاسية للإيرانيّين.
وأوضح المسؤول الأوروبي “أن إيران لم تحقّق بعد توقيعها الاتفاق النووي أي مكاسب على صعيد دورها الإقليمي ونفوذها في المنطقة، إذ انها لم تنجز أي اتفاق مع أميركا والدول الغربية الرئيسية يتعلّق بأي من القضايا الإقليمية الأساسية، بل إن الخلافات كبيرة بين الإيرانيين والغربيين. الواقع أن أميركا والدول الغربية الرئيسية تتبنّى استراتيجية معادية للسياسات الإيرانية في المنطقة ومتطابقة أو منسجمة مع سياسات الدول الخليجية والعربية المعتدلة في ما يتعلّق بسوريا واليمن والعراق ولبنان وفلسطين وأمن الخليج وقضايا أخرى. والإدارة الأميركية ترفض أن تتقاسم النفوذ مع إيران في المنطقة بل تتعامل معها على أساس انها “دولة ذات توجّهات خطيرة ترعى الارهاب وتعمل على زعزعة الأمن والاستقرار وتتدخّل سلباً في شؤون الدول الأخرى”، وعلى هذا الأساس تتعاون أميركا مع الدول العربية الحليفة لها من أجل “مواجهة وإحباط خطط القيادة الإيرانية وأعمالها المهدّدة للأمن والاستقرار في المنطقة”.
وخلص المسؤول الأوروبي إلى القول: “إن أميركا لن تسمح لإيران بفرض هيمنتها على منطقة الخليج وتهديد دولها جديّاً. والمواجهة الأميركية – الغربية مع إيران ستتواصل بأشكال ووسائل متنوّعة بعد إنجاز الاتفاق النووي ما لم تغيّر قيادتها سياساتها الإقليمية الخطيرة وتعمل على إقامة علاقات طبيعية مع دول المنطقة. وهذا الواقع دفع مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي إلى القول: “إن التفاوض مع أميركا محظور لعدم جدواه ولأنه يلحق بإيران أضراراً لا تُحصى”.