لا مجال للشك في مدى تهافت الرئيس باراك أوباما على إنجاز الاتفاق مع إيران على ملفها النووي، ومن دلائله الواضحة التضارب في تصريحات مسؤولي إدارته. كما لا مجال للشك في مدى الانعكاسات السلبية لهذا التهافت على دول المنطقة بما يؤجج صراعاتها المذهبية ويساعد على نمو التطرف الديني كردّ فعل، وكذلك التطرف السياسي متمثلاً بالفوز الكبير الذي حققه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في انتخابات الكنيست أول من أمس.
فخلافاً لمجمل المواقف الأميركية الرسمية السابقة، التي شدّدت دوماً على عدم أهلية بشار الأسد للانخراط في التفاوض على حل للأزمة السورية، أتى تقويم وزير الخارجية جون كيري، عن ضرورة الحديث مع الأسد للوصول إلى حلّ، نافراً ومحبطاً فاستدعى، دولياً وإقليمياً، ردود فعل مستنكرة. ولم ينفع سيل التأكيدات الرسمية على أن الموقف الأميركي لم يتغير، أو سيل التوضيحات على أن كلام كيري إما أتى مجتزأ، أو الادعاء بأنّ الالتباس ناجم عن مجرد استخدام كلمة الأسد بدل النظام، مع التذكير بأنّ ذلك لا يتعارض حينها مع بيان جنيف الذي نصّ، بل وطبق مرات، على أن التفاوض على المرحلة الانتقالية يتم بين ممثلي المعارضة وممثلي النظام.
ويخشى سياسي لبناني مخضرم رافق على مدى عقود «طلعات ونزلات« السياسة الأميركية، أن يكون كيري قد تسرّع في الكشف عن موقف أميركي فعلي يشكل خطوة أولى على طريق الاعتراف بالدور الإقليمي لإيران. ويذكّر بأنّ أوباما مثلاً تراجع صيف العام 2013 عن واجب، أخلاقي على الأقل، بقصف نظام استخدم السلاح الكيماوي ضدّ شعبه. كما أن الولايات المتحدة نجحت صيف العام الماضي في إنشاء التحالف الدولي لمحاربة «داعش«، على أن تبقى إيران وربيبها الأسد خارجه. لكن تبين لاحقاً أنّ هناك تناغماً غير معلن وغض طرف عن تدخل إيراني لافت في العراق وسوريا تجسد في قيادة الجنرال قاسم سليماني للعمليات في تكريت مثلاً، وفي إعلان دمشق أنّ الأميركيين يُعلمونها مسبقاً بمكان وموعد الغارات على مواقع «داعش«.
فغارات التحالف الدولي، من دون تدخل بري فعلي، ستبقى محدودة التأثير وهو ما تظهره تصريحات أميركية وغربية تتوقع على الأقل ثلاث سنوات للقضاء على التنظيم الإرهابي. كما لأن مشاركة القوات الإيرانية في قتال «داعش« على الأراضي العراقية أو السورية ومساندتها الحوثيين في اليمن تساعد حكماً على تغذية تطرف سني، زادته تأججاً التصريحات الأخيرة بشأن استعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية.
فالتوافق بالأحرف الأولى قد ينجز، وفق ما هو مقرر هذا الشهر، أو قد يتم تمديد التفاوض لأنه في حين تشيع إيران تفاؤلاً بالإنجاز بعد حسم 90 بالمئة من التفاصيل التقنية، يشيع الأميركيون حذراً بإعلانهم أن حظوظ التوصل أو عدمه هي 50 بالمئة. ولا يستبعد المصدر أن يدفع السلوك الأميركي، شبه المتواطئ ضمناً مع إيران، دولاً أخرى للسعي إلى التزود بقدرات نووية تملكها إسرائيل أصلاً. وفي هذا الإطار يندرج إعلان الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية السابق والسفير السابق لدى واشنطن وشقيق وزير الخارجية الحالي الأمير سعود الفيصل، عن أن الاتفاق مع إيران «سيشعل سباقاً نووياً« في المنطقة.
كما قد ساعد الموقف الأميركي، من دون قصد، نتنياهو الذي هاجم بعنف أوباما من على منصة الكونغرس، على الفوز في انتخابات الكنيست خلافاً للتوقعات. وإذا كان صحيحاً أن نكرانه لقيام دولة فلسطينية، لم يرفض البحث فيها خلال سنوات حكمه، قد ساعده على اجتذاب المقترعين، فإن خشية الإسرائيليين من مواصلة إيران التمتع بالقدرة على انتاج سلاح نووي ساهم من دون شك في تعزيز حظوظه في العودة إلى الحكم مجدداً.