عند المآزق الصعبة التي خلقها أوباما لنفسه، عندما أطبق يديه على عينيه وعلى أذنيه وعلى فمه، كي لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم كلمة صدق وحق عن ما يحصل في المنطقة العربية عموما وفي سوريا خصوصا، وعندما أنكر أمام نفسه ورؤيته والتزاماته كرئيس لأكبر دولة واقوى سلطة عسكرية وسياسية في هذا العالم، فاحتال على قناعاته والتزاماته وتعهداته ولم يحاسب بشار الأسد على حيازته واستعماله للأسلحة الكيماوية والبراميل التفجيرية العشوائية التي أطلقها على الشعب السوري محدثا أفدح المجازر التي عرفتها البشرية في هذا الزمن الحديث، ولم يعنِ له شيئاً، مقتل عشرات الألوف من المواطنين السوريين، لا بعيد انطلاق الثورة الشعبية السورية ولا بعدها بسنة ولا بسنتين ولا بخمس، الأمر الذي أفسح في المجال أمام «هجرة» داعش من العراق الذي قسّمت الولايات المتحدة معالمه الإنسانية والحضارية والإقليمية بتدخّلها المخادع والمجنون في أزمة المنطقة آنذاك، متمثلة بغزو صدام حسين للكويت وغزو الولايات المتحدة للعراق، متذرعة بأسباب ثبت افتقارها إلى الصحة وكانت مجرد تلاعب بالوقائع ومخادعة لعقول الشعوب، الأمر الذي جعل من داعش، قبّة نمت من حبّة، وتكاثرت وتحوّلت إلى خطر يطاول العالم العربي والإسلامي بالقدر الذي بات معه هذا الخطر يلامس العالم الأوروبي ويطاوله في صلب عواصمه ومدنه، وعيونُه بدأت تركّز على استطلاعات واستهدافات مشبوهة باتجاه الولايات المتحدة وروسيا ومجمل العالم الغربي.
كثير من الجهود بذلها ديميستورا بمعاونة قوى غربية وأوروبية وإقليمية، توصلا إلى قرار أممي بوقف إطلاق النار على الجبهات السورية، مما دفع به إلى إطلاق تعليقات الرضى والتفاؤل باستتباب وقف إطلاق النار بنسبة كبيرة، الأمر الذي تبين لاحقا أنه فقاعات هواء بعيدة عن الحقيقة، حيث استمرت قوات الأسد مدعومة بالقوات الروسية والإيرانية والميليشيات التابعة لها بإحداث خروقات واسعة لوقف إطلاق النار، خاصة في مدينة حلب وأطرافها وضواحيها، وقد سقط نتيجة لهذه الخروقات مئات الضحايا من المدنيين الذين عاودتهم عمليات القتل الجماعي بصورة أشد اتساعا وعنفا ووحشية، ولم تسكت سياسة الغارات الجوية والصواريخ والبراميل النارية عن أجواء معارك لم تقف أصلا، وكان زعم وقف إطلاق النار مجرد مزاعم وأكاذيب، دفعت بالمعارضة السورية إلى الانسحاب من مفاوضات جنيف، كما دفعت بالقوى السورية المقاتلة وفي طليعتها الجيش السوري الحر وملحقاته الثورية، إلى التهديد بإنهاء حالة التقيد بالهدنة الهشّة التي كانت قائمة، الأمر الذي دعا الرئيس الأميركي وزعماء الدول الغربية إلى إعلان قلقهم الشديد نتيجة لعودة لغة النار إلى أكثر من ميدان سوري، وتبين للمراقبين أن ما يحصل لم يشكل في الواقع، إلاّ فرصة مصطنعة أمام النظام للإستعانة بتعزيزات جديدة روسية وإيرانية وميليشياوية لتحقيق مزيد من الاقتحامات والانتصارات في أماكن سورية هامة لم يتمكن حتى الآن من إضافتها إلى الأجزاء التي ما زالت تحت سيطرته، وفي طليعة المتباكين على التردّي المستمرّ في الأوضاع السورية، الرئيس أوباما، متمنطقا بعقيدته المتلوّنة التي لم يصل إلى العرب والمسلمين منها إلّا بعض من حقيقتها المتفاهمة والمتآمرة مع روسيا وإيران والميليشيات المقاتلة بدفع وتنظيم ومواكبة إيرانية مسلحة على مدى العالم العربي كلّه. هذا الأوباما الذي زار مصر في بدايات عهده في الحكم وأطلق من أرضها جملة من المبادئ البرّاقة التي أمّل فيها أهل هذه البلاد خيرا، ونال على أثرها جائزة نوبل للسلام نتيجة لما تبدّى منها للعرب وللعالم بأسره في ذلك الحين، من آمال تنمّ عن نهج ربما كان جديدا وعادلا وطائلا وقادرا للولايات المتحدة، وها هو العالم العربي كلّه وقد ساوره شك عميق في النوايا والتوجهات الأوبامية، وها هو يعاني اليوم من تعثرات جديدة لعمليات الجراحة التي يتم اللجوء إليها في العالم العربي لتطهير أرضه من تآمر مخادع باتت روائحه المقلقة تطلّ علينا وعلى قادة العرب من كل مكان، وكان على أوباما، أن يزور مع وفد أميركي موسّع، المملكة العربية السعودية، للمرّة الرابعة منذ صعوده إلى سدّة الحكم الأميركية، ليطلق منها وبحضور قادة دول الخليج الذين جمعهم مؤتمر طارئ في الرياض ليتلقوا جرعات الطمأنينة من شخص أصبح مجرد وجوده على رأس أكبر دولة في العالم، يبعث في نفوس القادة العرب أوسع مدى من القلق والتحسّب، وذلك بالرغم من كل ما قدّم للسعودية ولدول الخليج من تطمينات، اعتبرها كثيرون من المراقبين السياسيين أنها في واقع الأمر، مجرد ضحكات جديدة على الذقون العربية والإسلامية، تضيف إلى مجمل الوضع السوري كميات هائلة من الشكوك حول موقف الولايات المتحدة وأوباما من الوضع السوري السائر نحو مزيد من العنف والاحتراب وتمكين الأسد من رقاب السوريين لمدة مفتوحة على أقسى الاحتمالات وفي طليعتها احتمالات تقسيم الأرض السورية إلى أكثر من جزء ومن سلطة ومن دولة، وها هي روائح التقسيم هذه تفوح من أماكن محددة لدولة علوية محتملة وأخرى كردية وثالثة سنية ورابعة متمثلة بالجولان حيث أطلقت اسرائيل جديدا من الإعلانات الوقحة متمثلة بعقد مجلس الوزراء الإسرائيلي فيها مرة في الأسبوع، تأكيدا على احتلالها وضمّها هذا الجزء الهام من الأراضي السورية إلى كيانها الإستيطاني الغاصب، ومتمثلة كذلك بمحاولات حثيثة لدى مجمل المجتمع الدولي للاستحصال على اعترافه بهذا الضم «النهائي» المتجدد، طالما أن بازار التقاسم قد فتح، والكلّ يسعى إلى استصدار الأحكام بملكيته واستقلاليته بجزء مقتطع من الأرض السورية بقوة السلاح وبتآمر أميركي روسي إيراني وإسرائيلي، كائنا ما كانت الظواهر الخادعة تدل على عكسه، وتحاول التمويه على حقيقته.
أمنية عربية باتت بارزة لدى الزعماء وقادة الفكر والسياسات العربية، متوجهة بتطلعاتها إلى نهاية المدة المتبقية من أيام أوباما في الرئاسة الأميركية التي تستعر المنافسة حاليا بين زعامات حزبيها للحلول مكانه، وربما لتصحيح ما أفسده، بعقيدته السياسية التي تحيط بها بواطن الغدر مشفوعة بمظاهر الضعف والتحايل.
تصاريح أوباما التي تكثر في هذه الأيام بسبب وبدون سبب، وجميعها ينم عن أوضاع خطيرة يسعى بعقيدته وبنهجه السياسي المستَغرَبْ إلى تغليفها وإطلاق مزيد من سياساته التحايلية لتمريرها علينا وما بيننا، هل هذه التصاريح في بعض من أجزائها ومضامينها تحتوي على جزء من تأنيب الضمير الذي يعتبر أوباما شريكا في سيئاتها ومسؤوليته المتغاضية عن حجم الدماء التي تطاول الشعب السوري من خلالها، هل هو قد شاء أن يموّه من خلالها على إسهامه في الجرائم ضد الإنسانية التي حصلت في سوريا ولم تزل قائمة. هل فعلا تصح قناعات البعض القائمة والمستمرّة والتي تذهب إلى أن أوباما بالنتيجة هو زعيم كبير، بضمير صغير، وفكر سياسي مشوش ومتعب ومتجابن.