IMLebanon

استراتيجية أوباما الحريرية  لمحاربة التطرّف

انعقدت قمة القرية الكونية لمحاربة التطرف التي دعا اليها الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض يومي الأربعاء والخميس الماضيين ويوم الجمعة في وزارة الخارجية.. كان اليوم الأول للمجتمع الأميركي.. ولايات ومجتمع مدني ومراكز أبحاث وجامعات وغيرها من مكونات المجتمع الأميركي.. وكان خطاب أوباما الأول يدور حول فكرة أنّ الغرب ليس عدواً للإسلام والعرب.. داعياً الى مقاومة التمييز داخل أميركا وخصوصاً للأميركيين المتحدّرين عربياً وإسلامياً.. معتبراً بأن العالم بأسره في خطر نتيجة نزعة التطرف لدى أي مجموعة أو أفراد..

أما اليوم الثاني فكان عربياً.. وقد تمحور خطاب أوباما فيه حول الاستبداد والتعليم والتهميش في الوطن العربي وضرورة فتح آفاق المستقبل أمام الشباب اليائس والجاهل والعاطل عن العمل.. كما اعتبر سياسات المالكي والأسد الاقصائية والمذهبية والعنيفة سبباً مباشراً لظهور داعش ومثيلاتها.. وكأنه أراد الاعتراف بمسؤولية ادارته التي صنعت اتفاق أربيل والذي أقصى أياد علاوي الفائز بالانتخابات وعزل سعد الحريري وأكثريته النيابية.. لأن اتفاق أربيل كان مِن صُنْع نخبة خبراء الحرب الباردة الذين لم يدركوا أنّ أدوات الحرب الباردة لا تشبه أدوات ما بعد ثورة الاتصالات والمعلومات..

دعا أوباما الى احترام حقوق الانسان والحريات العامة والخاصة والى المزيد من الديموقراطية والمشاركة السياسية في الوطن العربي.. مؤكداً أنّ الحرب على التطرف تستلزم سنوات طويلة وأنّ من سيخلفه سيتابع هذه الحرب.. أي أن الحرب لن تنتهي إبان ولايته الرئاسية.. كما تحدّث الكثيرون في جلسات البيت الأبيض وكذلك في الخارجية الاميركية.. وكان للأمين العام للأمم المتحدة كلمة في اليوم العربي الثاني حيث أبدى استعداد المنظمة للمساهمة في إدارة البرامج الثقافية والإنمائية.. وأعلن عن الدعوة لقمة عالمية جديدة للأديان والثقافات يحضرها رجال دين ومفكرون وتيارات فكرية وثقافية على المستوى العالمي.. وتحدث أيضاً وزير خارجية الأردن بوصفه الممثل العربي في مجلس الأمن واصفاً هذه الحرب بالحرب العالمية الثالثة.. كانت أيام واشنطن طويلة وكنا نحن وأطفالنا ونساؤنا وشيوخنا وأرضنا واستقرارنا ومستقبلنا موضوعها لا بل أطباق مقبلات على موائدها..

لا نستطيع أن نرفض ما جاء في القمة التي انعقدت على مدى ثلاثة أيام.. لأنه من هناك تدار سياسات العالم في الحرب والسلام.. وإن القوة الأعظم في العالم هي الولايات المتحدة الاميركية التي نكرهها ونحبّها والتي يجوز فيها القول «يا أعدل الناس إلاّ في معاملتي.. فيك الخصام وأنت الخصم والحكم».. وذلك لن يمنعنا من أن نذكِّر أوباما وحلفاءه بالقضية الفلسطينية وعلى مدى ما يقارب السبعين عاماً من النزاع والحروب والاحتلالات وعدم احترام الشرعية الدولية والفيتو الدائم للولايات المتحدة ضد شعوبنا وقضاياها.. مما أفقد مجلس الأمن مصداقيته وكانت الدول الخمس الكبرى والدائمة العضوية في مجلس الأمن  هي أوّل من لم يحترم شرعة حقوق الانسان..

يحق لنا أن نذكّر العالم وأميركا بعدم احترامها لأرضنا وانساننا وايضاً بحروبها واحتلالها لدولنا وتفكيك جيوشها وغيرها وغيرها.. إلاّ أنّه لا يحقّ لنا أن نرفض ما جاء في خطابها عن التعليم والعدالة والتضامن الاجتماعي والنهوض الاقتصادي وعدم القمع والاستبداد واحترام مواطنينا فرداً فرداً.. وتأمين فرص العمل والاجتهاد والإبداع.. لأنها مسؤولية كل من يتنطّح للشأن العام وعلى وجه الخصوص في لبنان.. لأننا أوّل من مارس الإرهاب وقتلنا بعضنا وأحرقنا كنائسنا ومساجدنا ومارسنا العنف الديني على مدى سنوات طوال ودمّرنا مدننا وقرانا واقتصادنا ودولتنا وصادرنا مواردها  بشكل غير شرعي ثم شرّعنا ذلك الاغتصاب لموارد الدولة ولانزال..

جاءت قمة واشنطن لمحاربة التطرف مع الذكرى العاشرة لاغتيال تجربة وطنية وعربية وعالمية في محاربة التطرف الذي كان يستبدّ في لبنان كمرض مستعصي العلاج.. إذ واجه ذلك الرجل الاستثنائي التطرف بالعمل والإنجاز والتسامح والتسويات وبالتعليم الذي غيّر مصير الأجيال.. وليس دقيقاً ما يقال عن عشرات الآلاف لأنّ التعليم طال كلّ الناس وهؤلاء الآلاف كانوا بمثابة قوّة الدفع التي استخدمها لتغيير الاتجاه وربما الأقدار من الاقتتال والموت والدمار الى العلم والحياة والنجاح والعمل والإعمار.. كانت تجربة لبنانية بامتياز ولا تزال آثارها الطيّبة في كل نفس لبنانية تنعم بالأمان وفي كل منزل يبنى الآن في لبنان..

كان الرئيس أوباما مقتنعاً بالمنهج اللبناني في محاربة التطرف لأنّه يعرف كيف فُكِّكَت الإمارات الأمنية والطائفية والمذهبية.. وكيف استعاد لبنان وهجه وحضوره كدولة ومجتمع قابل للتقدم والحياة.. ويعرف أيضاً موقع  الجريمة البغضاء وحفرتها التي كانت تكبر كل يوم على مدى عشر سنوات.. حتى باتت أكبر من لبنان وسوريا والعراق.. وأن الدماء التي سالت على شاطىء السان جورج أصبحت الآن بحراً من الدماء.. ولذلك كان الرئيس أوباما يريد بناء استراتيجية لمحاربة التطرف في أميركا وفي القرية الكونية الشديدة الالتصاق والقرب بعد ثورة الاتصالات.. معتبراً الخيارات التي اتخذها رفيق الحريري لمحاربة التطرف في لبنان بالعمل والعلم والعدالة هي الأمثل لمعالجة وباء التطرف الذي يهدد الكبار والصغار..

أما في لبنان فهناك كلام آخر عن استراتيجية وطنية لمحاربة الإرهاب.. غير التي توضع في الولايات المتحدة الاميركية.. وغير التحالف الدولي العربي لمحاربة داعش والذي اجتمع قادته العسكريون من ست وعشرين دولة في الرياض أمس وأول أمس.. بالتزامن مع الحديث عن الاستراتيجية الوطنية.. وهناك أحاديث كثيرة من هنا وهناك مع الذكرى العاشرة لاغتيال التجربة الوطنية المميزة في محاربة التطرف والعنف والقتل والدمار وبناء الدولة المدنية الحديثة.. لكنني وبكل أمانة قد فهمت جيداً على الرئيس أوباما واستراتيجيته الحريرية لمحاربة التطرف في أميركا والعالم..