IMLebanon

أوباما يجلس على كرسي  الإعتراف ويتلو فعل الندامة

بعد التبدل الملتبس الحاصل في سياسة الرئيس أوباما بصدد سياسته في الشرق الأوسط نتيجة الظهور المفاجئ لمنظمة «داعش» وأخواتها من التنظيمات «الجهادية» اتحفنا هذا الرئيس باعتراف من قبله أزاح فيه عن أكتافه أثقال سياسته المترددة والمتقلبة والمتسمة بنزعة الإنعزال عن مشاكل العالم وحصر اهتماماته وتوجهاته وقراراته بالداخل الأميركي، حتى إذا ما أطل على العالم بنظرات جانبية مختلسة، فهو لا يرى فيه إلا المصالح الأميركية الواضحة والفاضحة، ولا يكلف نفسه توجيه الاهتمام، وأحيانا توجيه التهديد والوعيد وبعض استعراض للقدرة العسكرية الجوية، الى حيث تشكلت له تلك المصالح الإقتصادية والدفاعية والإستراتيجية. لقد تركزت سياسة الرئيس أوباما خلال السنوات الثلاث التي مضت على التنصل من سياسات الولايات المتحدة التقليدية منذ حرب الفيتنام واستفحال الحرب الباردة ما بينها وبين الإتحاد السوفياتي وهي قد أسهمت إلى حد بعيد في فرطه وإزالته من الوجود من خلال حرب إقتصادية شعواء، شنتها عليه وعلى جمهورياته متعددة الأشكال والألوان والأجناس إلى الحد الذي أضحى فيه يحمل واقع وتسمية الإتحاد السوفياتي السابق، وإلى الحد الذي أضحت فيه قيادة العالم منوطة بقوة أوحدية، أعطتها سلطة إمبراطورية على مدى طاول العالم بمعظم أنحائه، والغريب العجيب، أن الولايات المتحدة، خاصة بعد تولي الرئيس أوباما سدة الحكم، لم تحسن قيادة ورعاية مصالحها على مدى العالم بمعظمه، فتراجعت قدراتها وتراجعت إمكانياتها عن الإمساك بمفاصل التأثير والتغيير، إلى الحد الذي مرت فيه الأيام مرورا سريعا حافلا بالأحداث ونشوء الوقائع والحقائق المستجدة، فإذا بروسيا تستعيد قدرتها على المنافسة والمشاكسة، وإذا بالصين تحضر نفسها منذ الآن وبصمت وحنكة وعمل دؤوب، للمنافسة الحقيقية على تولي زعامة العالم، وإذا بالدراسات الإستراتيجية في العالم عموما وفي الولايات المتحدة خصوصا، تعطي للإندفاعة الصينية ما يناهز العشرين عاما لتكون ذلك الحصان الصيني الأسود في هجومه واندفاعه نحو مواقع الحول والطول والقيادة العليا في العالم.

لقد تعبت الأقلام ومن بينها أقلامنا العربية مختلفة الأحجام والتوجهات، من إطلاق التحذيرات الصارخة لأوباما ومخابراته وسياسته وتوجهات دولته العظمى، متناولة بالنقد الجارح سياسته العالمية عموما وشرق الأوسطية خصوصا بعد أن اتسمت بالتذبذب والتلاعب وفهم التطورات السياسية والإجتماعية والإيديولوجية على غير حقيقتها وعلى اعتبار أن السيطرة عليها تبقى في الجيب الأميركي، يتركها لحالها ولمشاكلها، فتنهار بفعل تناقضاتها وبفعل «الحنكة الأميركية-الغربية» ومخابراتها وافتعالاتها، وإذا بنا اليوم، وبعد ما يناهز الثلاث سنوات على انطلاقة الأحداث السورية وبعد مرور عدد من السنوات على التلاعب بالوضع العراقي بما أدى الى حل جيشه الطائل القادر وتفتيته الى فلول عسكرية يتحكم برقابها وبرقاب الشعب العراقي، عميل يتنقل في عمالته ما بين المخابرات الأميركية والمخابرات الإيرانية، فإذا بالمالكي يقفز في النهاية إلى الحضن الإيراني ليمارس من خلال انتماءاته المستجدة، طغيانا سياسيا ومذهبيا واقتصاديا وإداريا فاضحا، خيل إليه من خلاله أنه بات ممسكا بمقاليد البلاد والعباد، وتلاعب على الجميع فأضمر له الجميع، بمن فيهم بقايا جيشه وميليشياته وأدواته الأمنية جميعا، ذلك المصير الأسود الذي كان كافيا لقوى ميليشياوية نشأت على ضفاف الظلم الطائفي والمذهبي، بضع ساعات، وبضع إقتحامات مباغتة ليصبح خارج اللعبة السياسية والعسكرية والسلطوية، ولتختفي مع رئيسها وحكومته المالكية من الوجود وهاهو أوباما اليوم وقد حوّل من وجهته السياسية والإستراتيجية والعسكرية واستدار فيها مائة وثمانين درجة، ليجلس على كرسي الإعتراف ليعلن للملأ المحلي والعالمي ما سبق أن أعلنه مدير مخابراته جيمي كلابر، من أن الإستخبارات الأميركية قد أساءت تقدير قوة الجهاديين في سوريا وأنها قد قللت من شأن ما يحصل في إطار الثورة الشعبية التي طاولتها، وأنها بالغت في تقدير قوة الجيش العراقي في التصدي للجماعات المتشددة، وأن المتشددين قد استعادوا تنظيم صفوفهم خلال السنتين الماضيتين وفي خضم فوضى الحرب الأهلية السورية فاستغلوا تلك الفوضى لتصبح سوريا قبلة الجهاديين في العالم.

هذه خلاصات مستجدة لما قاله أوباما مؤخرا ولما سبقه إليه قبلهما بما يناهز الأسبوعين، مدير المخابرات الأميركي ولما سبقه إليه قبلهما زعماء غربيون وعربا لطالما قرعوا نواقيس الخطر علّ أوباما يستفيق على وقعها، وعلى صوت البراميل المتفجرة التي ما زالت طائرات النظام السوري تطلقها كل يوم على شعبه وأطفال ونساء بلاده وعلى معالم سوريا الحضارية في أهم مواقعها ومراكزها، إضافة إلى السلاح السوري الكيماوي الذي أطلقه النظام على المدنيين السوريين فكان مجالا مصطنعا لهرب أوباما من جوهر الأزمة السورية، وتجسد في مسرحية سحب السلاح الكيماوي من سوريا وهو سلاح لم يسحب قي الواقع إلا جزئيا، وما زال يستعمل واقعيا في الحرب القذرة التي تشن على الشعب السوري.

والذي يقرأ تفاصيل الأهداف العسكرية التي حددها أوباما ضد «داعش» يستنتج سلفا حجم الأهوال التي تنتظر المنطقة شرق الأوسطية، لتخليصها من هذا الوباء الذي فاقمه تقاعس أوباما وتهربه من حل المعضلات إبان حصولها وليس بعد مرور سنوات عديدة على انطلاقتها وعلى تطوراتها المفزعة التي انتهى أوباما إلى تبرير تخاذله وفشله في وضع حد لها في الوقت المناسب وليس بعد خراب البصرة ودمار دمشق وتهديد الأمن الإقليمي والدولي والسلم العالمي والمصالح الاميركية والغربية على مدى سنوات عديدة.

فهل ينفع بعد كل ما حصل جلوس أوباما على كرسي الإعتراف الدولي وتلاوة فعل الندامة؟ أيها الندم… كم من الجرائم ترتكب باسمك.